أولها: الاقتصار على القدر المشروع فقط، فعند الوضوء -مثلاً- تتوضئين مرة مرة، فإن كان ولا بد فمرتين، فإن كان ولا بد فثلاثة ثلاثة، ولا تزيدي على هذا أبداً، فإن الزيادة حرام وإثم وإن وجد عندك شك أو تردد في أن هناك بقعة لم يصبها الماء، مثل ذلك في الغسل فعليك أن تعممي بدنك بالماء مرة واحدة، ولابد من الاقتصار على القدر الواجب والمشروع، وعدم السماح للنفس بالزيادة عليه في حال من الأحوال، حتى لو فرض جدلاً أنما خافه الإنسان وما خفتيه وقع فعلاً، فإذا غسل إنسان يده مرة، ومرتين وثلاثاً، ومع ذلك بقيت بقعة لم يتفطن لها وربما نبا عنها الماء، مع أن الماء بطبيعته سيال لطيف، ولكننا نفترض هذا جدلاً على أسوأ الأحوال، فهل يطلب من الإنسان تبليغ ذلك ضرورة بحيث يقطع بأنه حصل أو يعمل بما ظهر له؟ إن الشارع إنما تعبدنا بما يظهر لنا، وإلا فإن اليقين في كثير من الأمور عزيز، أرأيت -أيتها الأخت الكريمة- الفطر يوم يفطر الناس، والصوم يوم يصومون، والحج يوم يحجون، أي: إذا ظهر للناس إن هذا اليوم عيد فأفطَروا بحسب ما قام عندهم من الأدلة وجاءنا شاهدان على ذلك، أو أنه صيام فصاموا، وقد يكون أحد هذين الشاهدين ظاهره العدالة وحقيقته خلاف ذلك، أو كلاهما خلاف ذلك، فهل الناس مؤاخذون بهذا؟ أم الأمر على الحقيقة خلاف ما عملوا به؟ إنهم ليسوا مؤاخذين.
أرأيت إنساناً سافر وفي الطريق أراد أن يصلي فاجتهد وصلى إلى ما يظن أنه القبلة، وبعد فترة تبين له أنه صلىَّ إلى غير القبلة، هل نقول: إنه آثم؟! أو نقول له: أعد الصلاة؟! كلا.
لا إثم ولا شيء عليه، ولا يعيد الصلاة، بل هو صلى كما أمر وبحسب ما يستطيع، وهذا هو الذي يكلفنا الله عز وجل به.
إذاً، هذه الاحتمالات ينبغي أن نضرب عنها صفحاً، ولا نجعل لها في أنفسنا مكاناً ولا مستقراً، مثل احتمال أن هناك بقعة ما أصابها الماء، أو موضعاً ما جاء إليه الماء، إذا ابتدأنا بهذه الاحتمالات، فمعنى ذلك أن الوسواس لن يزول عنا أبداً، فالوسواس هو احتمالات يضعها الإنسان على أنها حقائق، وما يدرينا؟ يمكن، يمكن وبالتالي لا يفرغ منها أبداً.
فإذا أردت الخلاص فقضية الاحتمالات هذه ينبغي ألاَّ يكون لها مكان في نفسك، فاقتصري على القدر الواجب فقط، بل لا بأس ألا تغسلي إلا مرة واحدة في البداية، حتى تجدي أنك تغلبتِ على هذا الأمر، ثم تلتزمين بالسنة وهي الغسل ثلاثاً.