أما الثامنة: فما أعظمها! فلقد علمتك بالأمس وأنت ترتكب الذنب الصغير، فتأتي وقد اسود وجهك، وقلصت شفتاك، ودمعت عيناك، وأنت تقول: فعلت وفعلت، فإذا تأملناه وجدناه ذنباً، نعم؛ ولكنه صغير، وربما خرجت منه بتوبةٍ واستغفرت منه، أما الآن وما أدراك ما الآن! فإن قلبك لم يعد يستقبح المعاصي، بل أصبحت عادة، وأصبحت نوعاً من الأنس الذي تهش إليه نفسك، وتشرئب إليه طباعك، وتفرح به وتأنس، فإذا فارقته شعرت بالغربة.
لقد سترك الله تعالى وأنت تأبى إلا أن تجاهر أمام الناس، وهذا مرتبةٌ خطيرة: {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [فاطر:8] يقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن أين القلب الذي كان يتحدث بالأمس عن الضالين بحسرة لا تعدلها حسرة؟ وعطف عليهم وحرص على هدايتهم، وتشوق إلى إخراجهم من الظلمات إلى النور؟! فها أنت قد أدركتك السُنَّة، ومضت عليك الآية، فأصبحت أحوج ما تكون إلى من يأخذ بيدك من هذه المناطق، ويخرجك من هذه الضلالات، وينقذك مما أنت فيه.