Q تكلمت في محاضرتك على أن على الشخص إذا بدأ بشيء أن يتمه، فأريد منك أن توجه نصيحة إلى بعض أصحاب التسجيلات، وذلك بسبب عدم إكمال المحاضرة أحياناً، أو حذف أشياء منها، فلا تكمل الفائدة.
صلى الله عليه وسلم هذا يدخل في الحديث الذي ذكرته قبل قليل، وحسنت إسناده: {إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} وقد فاتني أن أشرح الحديث، وكان الأولى أن أشرحه: {إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه} سواءً أصحاب التسجيلات، أو أصحاب المكتبات، أو الأستاذ في مدرسته، أو العامل في عمله.
والإتقان يشمل أمرين كما ذكر أهل العلم: الأمر الأول: أن يقوم بالصنعة على خير وجه، فالصانع مثلاً، أو العامل، أو الكاتب، أو المدرس، عليه أن يعمل على أن يقوم بالعمل خير قيام، وينصح فيه نصيحة تامة؛ بمعنى أن صاحب العمل قد لا يدري، مثلاً قد يأتي كهربائي في منزلك، أنت لست خبيراً بالكهرباء، كيف تكون تمديداتها وتوصيلاتها، ومراكزها، لا تعرف شيئاً، المهم أن تضغط الزر فيضيء المصباح، أو يضيء المكيف، أما ما عدا ذلك فما لك بصر به.
فقد يأتي إنسان ليس متقناً فيعمل لك ذلك، لكن إذا جاء شخص آخر خبير، قال لك: هذا غير ناصح، قد اشتبكت الأسلاك بعضها ببعض، وجعل الإنسان لا يدري من أين بدأت وأين تذهب، ولا اتجاهاتها، ولاشيء من ذلك، فهو عمل لك العمل بالظاهر لا بأس به، لكن حقيقته ليست متقنة.
إذاً: ليس العمل هو فقط للظاهر، تتقنه بقدر ما تستطيع، وبالصورة التي يرضى عنها أهل الفن، والاختصاص، سواءً كنت في أي مجال من المجالات، مثلاً: مدرس، قد تقوم بالتدريس بعمل يرضي الطالب، الطالب يقول: والله الأستاذ الفلاني جيد! لكن المختص ولا أقول بالضرورة: مفتش، مفتش أو غيره، الذي يعرف العمل، لو حضر عندك في الدرس لرأى أنك لم تتقن العمل، صحيح أن الطلاب رضوا عنك لأنك تأتي بقصص، أو تضحكهم، أو تعطيهم درجات، أو ما أشبه ذلك، لكن لم تؤدِ العمل وتتقنه على الوجه المطلوب.
فالله تعالى يحب أن تتقن العمل بالصورة التي يرضى عنها أهل الصنعة، ظاهراً وباطناً.
الأمر الثاني: في إتقان الصنعة، ألا يكون هذا فقط من أجل المحافظة على رسوم الصنعة، بعض الناس يقول لك مثلاً: أحسن من هذا العمل، ليس لوجه الله، ولا احتساباً، وإنما لأنني أعرف إذا لم أقم بهذا العمل وصنعته بشكل جيد أخذ الناس عني سمعة سيئة فلا يأتوني بعد ذلك! وهذا مع الأسف فإن الغرب يهتمون به اهتماماً عجيباً للغاية، حتى لو كان الأمر تافهاً، تأتي لإنسان -مثلاً- تريد أن يصلح لك الحذاء -أكرمكم الله- لا يصلحه بأي صورة، إنما يعطيك معلومات أن هذا الحذاء أصلحه لك بمبلغ كذا، ولكن احتمال أنه بعد يوم أو يومين يعود إليه نفس العيب الموجود فيه الآن، فأنا لا أستطيع أن أضمنه لك، إن أردت تصلحه أصلحته، وإن أردت أن تشتري غيره فإنه يمكنك ذلك.
وهذا موجود في أمورهم، وفي صناعاتهم فإنهم حين يصنعون شيئاً يكون غير جيد، يشيرون إلى أن هذا العمل غير جيد، حين يقدمون مثلاً علبة عصير، ليست عصيراً طبيعياً، يكتبون عليه أنه غير طبيعي، وإنما هو مصنوع من بعض الأشياء، بعض النكهات، والمساحيق وغيرها، وهم يكتبون ذلك ليس تديناً، وإنما من مقتضى مراعاة رسوم الصنعة، فهم يقولون: التاجر الذكي لا يخادع في صنعته حتى لا يخسر الزبائن.
ومع الأسف بعض التجار في أوقات الحج، وفي غيرها، تجد التاجر يقول: المهم أن هذه البضاعة تمشي من عندي، ولو اكتشف الزبون بعد ذلك أنني قد خدعته لا يهم! مع أن الزبون إذا اكتشف بعد ذلك لا يمكن أن يشتري منك بحال من الأحوال، فيخسر زبائنه بهذه الطريقة، لا يبالي، ولذلك ربما يخسر تجارته أيضاً، هم أذكى منا، فعرفوا أن الصناعة الحقيقية، والتجارة الحقيقية، والكسب الحقيقي، يقتضي أن يراعوا رسوم الصنعة، لكن المؤمن مع مراعاة رسوم الصنعة، لا يقصد ذلك، ولا يقصد أيضاً الخوف من الإنسان، لا من سلطانه، ولا من لسانه.
يقول: هذا والله مسئول لو غششته، أو إذا لم أقم بالواجب قد يضرني، أو يسبني، لا، إنما يكون فعله لهذا الإتقان ابتغاء وجه الله، فهذا من الإتقان، وهذا الكلام أوجهه للإخوة أصحاب التسجيلات وغيرهم.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك، نشهد أن لا إله إلا أنت، نستغفرك ونتوب إليك.