معنى قول الله: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم)

Q ما معنى قول الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] ؟

صلى الله عليه وسلم عندما ذكرت قبل قليل أن الإنسان يجب أن يأمر بالمعروف ولو كان لا يفعل وينهى عن المنكر ولو كان يفعل، وكنت متوقعاً أن أسأل مثل هذا السؤال عن الآية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] ومثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] .

ومثل قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين حديث أسامة بن زيد: {يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى، فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان، مالك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه} .

لكن كل هذه تفهم على غير وجهها، فالآية {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} [البقرة:44] فإن هذا عتاب ومعنى الآية أنتم تعرفون البر وتأمرون الناس به، فكيف لا تفعلونه؟ فالعتاب في قوله: وتنسون أنفسكم، أي: لماذا تنسون أنفسكم؟ لم يعاتبهم علىالأمر بالمعروف بل عاتبهم على نسيان أنفسهم، لأن الذي يأمر معناه أنه عالم، فقد يفعل الإنسان المعصية عن جهل، لكن إذا كان يأمر بها فمعناه أنه عالم بأن هذا معروف، فكيف ينسى نفسه، وهذا يعاتب بلا شك، فتارك المعروف وفاعل المنكر يعاتب على ترك المعروف ويعاتب على فعل المنكر، لكن لا يعاتب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ففرق بين النقطتين.

الآية الأخرى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] هذه عن إنسان يدعي فعل شيء وهو ما فعله، يقول: فعلت وقاتلت وهو ما فعل، أو يقول سأفعل وسأقاتل وسأقوم، ولم يفعل فإن هذا يعاتب على ذلك.

أما حديث أسامة فهو في أحد رجلين: إما رجل منافق يتاجر بالكلمة، يقول للناس افعلوا واتركوا وكذا وكذا وهو خائن -والعياذ بالله- فهذا لا شك أنه من أهل النار.

الثاني: إنسان قد يأمر فعلاً وينهى فعلاً، لكنه له ذنوب يستحق بها النار، يعني ما كان دخوله النار لأنه يأمر بالمعروف - نعوذ بالله من ذلك - فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبادة لا تُدخِلُ النار، بل تؤدي إلى الجنة، إنما هذا الرجل لا يأتي المعروف فهو تارك للمعروف، فوقع عليه ذنوب كثيرة لأنه ترك الصيام، وترك الصلاة، وترك الزكاة، فهذه ذنوب سجلت عليه ولو كان يأمر بها، ما سجلت عليه لماذا كان يأمر بها، سجلت عليه لماذا يتركها، وكذلك يفعل المنكر وإن كان ينهى عنه، وسجل عليه أنه يشرب الخمر ويأكل الربى، ويفعل كذا وكذا، ولو كان ينهى عنها، فسجل عليه منكرات كثيرة وسجل عليه ترك معروف كثير فدخل النار بسبب فعل المنكر وترك المعروف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015