الأخطاء الجماعية

هذه المنكرات الفردية وهناك نوع آخر وهو الخطير: المنكرات الجماعية، وإن شئتي فقولي: المنكرات المنظمة.

ففي عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وجد منافقون، وهؤلاء يمكن أن نعتبرهم جماعة أو مؤسسة أو حزباً أو طائفةً أو جمعية أو سميهم ما شئتِ؛ ومهمتهم إشاعة المنكرات في المجتمع الإسلامي، وليست منكرات فردية كما هو الحال فيمن تغلبه نفسه أو يغلبه الشيطان ويقع ثم يتوب، لا، منكرات منظمة ومدروسة ومقصودة، فهم يكيدون ويتتبعون عورات المؤمنين، ويحاولون أن يشيعوا الإشاعات وينشروها، ويعملوا ضد الإسلام.

وهذه الطائفة أو الحزب كان موجوداً في عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فأولى أن يكون موجوداً بعده وأقوى أيضاً؛ لأنه في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم دقت شوكتهم وقل دورهم؛ لأنهم انكشفوا وعرفهم الناس فأصبح لا شأن لهم، ولا قيمة إلا في حدودٍ ضيقة.

حتى أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه لما قرأ قول الله عز وجل: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة:12] قال: ما بقى من أصحاب هذه الآية إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة أحدهم: شيخ كبير السن هارم لو شرب الماء البارد لما وجد برده، إنسان هرم انتهى والبقية هلكوا.

ففي عهد الرسول عليه السلام، مجتمع صالح نظيف محكم، أفراده يوالون الإسلام ولاءً حقيقياً، يوالون الله ورسوله، ولذلك نبذوا المنافقين ولم يعد للمنافقين دور عندهم.

أما فيمن بعدهم وخاصة في العصور المتأخرة في عصرنا هذا وما بعده، فإننا نجد أن شأن المنافقين يكبر ويتسع، فيكون لهم مؤسسات وأجهزة وقوى كثيرة وشخصيات ورموز تعمل باسمهم، وبغض النظر نحن لا نتهم أشخاصاً معينين بأنهم منافقون، لكن نقول عموماً ميزة المنافق أنه يعمل على إشاعة الفاحشة بين المؤمنين، ويعمل على نشر الرذيلة بين المؤمنين، ويعمل على التشهير بأهل الخير والإسلام، ويحرص على تحويل المجتمع من مجتمع طيب صالح إلى مجتمع منحط منحرف، وعلى تحويله من بيئة نظيفة لتربية النشء الصالح إلى بيئة ملوثة بجراثيم الفساد والشر؛ بحيث ينشأ الصغير فيها ويتنفس الجراثيم، ويتقبل هذه الانحرافات والمنكرات لأنها موجودة في المجتمع، وهي أمر طبيعي عندهم.

إذاً: إذا كان الهواء ملوثاً كل من شم هذا الهواء تلوث وتضرر به.

فهذه منكرات جماعية خطيرة وهي التي تميز ما إذا كان المجتمع سليماً أو غير سليم، ففي المجتمع السليم يتقلص دور المنافقين، أما المجتمع المختلط الضعيف فإنه يبرز دور المنافقين، ويصبحون لهم مراكز ولهم إمكانيات ووسائل قوية ولهم تأثير واضح.

ولذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أحمد والحاكم وأصحاب السنن وهو حديث صحيح: {لا تقولوا للمنافق سيدنا فإنه إن يكن سيدكم فقد أسخطتم ربكم} أي: حين نتحول نحن المسلمين إلى أناس يقدرون المنافق ويطلقون عليه ألقاب التبجيل (يا سيدي، أو يا سيد) نكون أسخطنا الله عز وجل، لماذا؟ لأن معنى ذلك أن عندنا قابلية لتقبل ما عند المنافق، والمنافقون ليسو مجرد أناس متسترين، لكن لهم أهداف الفساد والإفساد في المجتمع المسلم.

إذاً: النقطة الأولى التي أود أن أذكرها: النوع الأول: أن المنكرات على نوعين: النوع الأول: منكرات فردية يخطئ شخص فيندم على ذنبه، ويستغفر الله عز وجل، وهذا يوجد وإن كان يتفاوت، ففي المجتمع النبوي حالات توجد فردية لكن كلما تقدم الزمن زادت.

النوع الثاني: منكرات جماعية منظمة ومؤسسات وتجمعات، ولذلك تجدين أحياناً في بعض المدارس والجامعات سواء للذكور أو للإناث تجمعات معينة، هذه التجمعات اجتمعت على أساس التعاون على الرذيلة وعلى الإثم والعدوان، كالتعاون -مثلاً- على نشر الفاحشة، والتعاون على نشر الوسائل السيئة كالمجلات المنحرفة والكتب الهابطة وتبادل أرقام الهاتف، ونشر الصور والتصوير إلى غير ذلك من الوسائل السيئة، وتجدين عشر أو عشرين من الصديقات تجمعهن على هذا الأساس.

أنا لا أقول: إن هؤلاء المجموعات منافقات؛ لكن أقول: هنا الخطورة أنه لم يعد المنكر أمراً يخاف منه الإنسان ويستحي منه، وقد يقع فيها ويستتر ويتوب إلى الله، لا، إنما أصبح يجاهر بها ويوالي على أساسها، فإذا وجد من يكون مثله اجتمع معه وهنا الخطورة؛ لأن هؤلاء من حيث يريدون أو لا يريدون يصبحون سوساً ينخر في المجتمع، ويجر المجتمع جراً إلى الهاوية، وهؤلاء ولاشك أنهم في غاية الخطورة، والتصدي لهم في غاية الأهمية.

حين ننظر -أيتها الأخوات- إلى المجتمعات منذ عهد الرسول إلى اليوم نجد هذا أمراً طبيعياً، وليس بغريب أن المجتمع يتفاوت، فأحياناً تقل المنكرات وأحياناً تكثر، والأسباب في ذلك كثيرة، وأريد أن أتحدث عنها لأن الوقت ضيق، لكن أنبه إلى أن المجتمعات تتفاوت في زيادة المنكرات وفي قلتها بحسب عوامل كثيرة جداً تتعلق بوضع المجتمع، وبقيادة المجتمع وأفراده، ووجود العلماء والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وانتشار العلم، وغلبة الأعداء إلى غير ذلك من الوسائل التي لا أريد أن أدخل فيها أو في تفصليها.

ولو نظرنا في مجتمعنا الذي نعيش فيه الآن وقومناه، وحاولنا أن نضبطه بالميزان الذي تحدثت عنه قبل قليل لوجدنا أن هذا المجتمع فيه وفيه، فمن جهة يوجد في مجتمعنا المعروف سواء في الميدان العام، مثل كون المجتمع لا يزال محافظاً على حجاب المرأة وستر جسمها ويعتبر ذلك من الأمور السائدة في المجتمع، وهو أمر طبيعي لا يستغرب.

وقضية تجنب الاختلاط في الميادين العامة، وفي المدارس، وفي الجامعات بشكل عام، دعينا من وجود حالات فردية أو بدايات من قبل بعض المغرضين، هذا أمر آخر، لكن الأصل القائم أنه لا يزال التعليم غير مختلط، والرجال يدرسون وحدهم، والنساء يدرسن وحدهن -وعلى حِدَهٍ- معزولات، حتى -مثلاً- حين يكون هناك حاجة إلى أن يكون هناك رجل يعلم من خلال شاشة أو من وراء حجاب، أو ما أشبه ذلك.

حين تنظرين -مثلاً- إلى واقع الأسر والعوائل تجدين فيها مجموعة من الخصائص الخيرة مثلاً: الصلوات، وصيام رمضان، والحج والعمرة، والبر وصلة الرحم إلى غير ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015