التواضع والتخلي عن العجب

أيها الإخوة لم يعهد على هذه الأمة منذ أن أوجدها الله تعالى وحتى حين كانت أمة راشدة مهتدية، وحتى حين كانت أمة صالحة، بل حتى حين كان يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه، لم يعهد على هذه الأمة أنها كانت ترفع أنفها عالياً، وتقول: نحن المهتدون نحن السائرون على المنهج نحن الذين ما خالفنا ولا عصينا ولا غيَّرنا ولا بَدَّلنا، وتبالغ في مدح نفسها بما فيها وما ليس فيها أبداً.

كانت هذه الأمة يوم كان يقودها الرسول صلى الله عليه وسلم تحصل لها الهزائم كما صار في معركة أحد؛ فيتعجبون ويقولون: أنى هذا؟! فيأتيهم

صلى الله عليه وسلم {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ * وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران:165-166] أي: السبب من عند أنفسكم.

وحين تهزم هذه الأمة هزيمة أخرى في بداية معركة حنين يتعجبون، فينزل الوحي: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً} [التوبة:25] إذاً إنما ذلك أتيتم من قبل أنفسكم؛ حين اغتررتم بعدتكم وعددكم وكثرتكم وبأسكم، فقلتم: لن نغلب اليوم من قلة، ونسيتم قوة الله عز وجل، والاعتماد عليه، وكمال التوكل عليه، فأدبكم الله بالهزيمة التي ردتكم إلى صوابكم {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة:26] .

لم تقل هذه الأمة في يوم من الأيام في تاريخها الطويل: نحن لا نستحق ما أصابنا؛ لأننا مستقيمون على شريعة الله، آخذون بهدى الله، ملتزمون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015