Q كيف يسلب الإيمان؟ وما علاج العجب؟ وبالنسبة للحديث الذي ذكرت: {لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن الحديث} فقد سمعنا حديثاً مشابهاً لهذا، وهو فيما معناه {قيل: هل يسرق المؤمن؟ قال: نعم، قيل: هل يزني؟ قال: نعم.
قيل: هل يكذب؟ قال: لا.
} فما مدى صحته؟
صلى الله عليه وسلم أما الحديث الذي ذكره السائل فهو ضعيف، ويقوم مقامه الحديث الصحيح: {يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب} وأيضاًَ يقوم مقامه حديث أبي ذر في الصحيح: {ما من عبد يقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه إلا دخل الجنة قال أبو ذر: وإن زنى وإن سرق، قال: وإن زنى وإن سرق، قال في الثالثة: وعلى رغم أنف أبي ذر} وبطبيعة الحال هذه الأحاديث لا تعارض ما سبق، لأننا لا نقول: إن من زنى فهو كافر، فهذا مذهب الخوارج، وإنما نقول كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الإنسان في حال مواقعة الزنا يسلب الإيمان منه، فإذا تاب تاب الله عليه، ولا يعني ذلك أنه كافر، وإنما لو كان الإنسان خلال وقوعه في هذه المعصية مستحضراً عظمة الله عز وجل، مدركاً باطلاعه عليه، وعدم رضاه بما هو عليه، لأقلع عن هذا الفعل، وكف عنه، فكونه يقدم على هذا الفعل دليل على أنه غاب عنه وازع الإيمان واختفى، وغلبت عليه هذه الشهوة.
أما أول السؤال وهو كيف يسلب الإيمان؟ وما علاج العجب؟ لعل بين هذين السؤالين ترابط كبير، فإنني أعتقد أن أهم سبب لسلب الإيمان من صاحبه، هو وقوع الكبر في قلبه، ولذلك صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر} لأن الإنسان إذا كان متكبراً مختالاً معجباً بنفسه فإن هذه الشهوة تكبر في قلبه، حتى يصبح عنده نوع من عدم الرضا بقضاء الله وقدره، والشعور بأن الأقدار قد ظلمته! وأنه لم يصل إلى ما يستحقه من المنزلة والمكانة! ولسان حاله يقول: تقدمتني أناس كان شوطهم وراء خطوي إذا أمشي على مهل فهو يعتقد أنه أفضل من غيره، وأنه يستحق أكثر مما أعطاه الله، وهذا يترتب عليه أمر ثالث، وهو أن يشك في حكمة الله تعالى وقدره، فتتحول الشهوة في قلبه إلى شبهة، فيقع في الردة، والعياذ بالله.
ولو نظرت في تاريخ المرتدين، لوجدت أن هذا الأمر ظاهر، وقد سبق أنني ذكرت مرات عديدة قصة القصيمي الذي كان يجالس العلماء، وطلاب العلم، وكتب كتابات كثيرة كالصراع بين الإسلام والوثنية والبروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية وأسباب تأخر المسلمين وغيرها ثم ارتد عن الإسلام، وكفر بالله، لو نظرت في هذا الرجل كنموذج للذين سلبوا الإيمان والعياذ بالله سلباً كلياً، ارجع إلى ما كتب قبل ذلك، يوم كان مسلماً في ظاهر أمره، وفيما يبدو للناس، تجد أن الجرثومة هذه -جرثومة العجب- موجودة بشكل ظاهر، حتى إن بعض مترجميه يقول أنه كان يقول في شعره: ولو أن ما عندي من العلم والفضلِ يوزع في الآفاق أغنى عن الرسلِ وله في ذلك قصائد طويلة، فهذه الجرثومة الموجودة أصلاً في قلبه، وهي جرثومة الكبرياء، حتى أنه عبر في قصائده بأنه متكبر، وقال أن في نفسه من الفضل والمواهب فوق ما أرى أنا، ولذلك يحق لي أن أتكبر، هذا معنى ما يقول، فآل به الأمر إلى ما آل! فلذلك على الإنسان أن يحرص على التواضع، ولذلك ذكرت موضوع الدعاء خلال المحاضرة، وأنه من أعظم العبادات؛ لأنه يتحقق فيه الانكسار والذل بين يدي الله عز وجل، وعلى الإنسان أن يبصر دائماً نعمة الله، وخطأه وتقصيره، ويعلم أنه لو قضى حياته كلها ساجداً لله عز وجل لما أدى شكر نعمة من نعم الله، ولكن الله ذو فضل على العالمين.