والوسيلة الثانية هي: وسيلة الذكر والعمل، ونحن نتوقع حين يسرح إنسان فكره في ملكوت السماوات والأرض، وما خلق الله من شيء، وينظر في هذه المعجزات الباهرة في كل مكان، أنه سينطق لسانه بذكر الله تعالى والثناء عليه، ولذلك ذكرت الذكر بعد الفكر، والمقصود بالذكر هو كل شيء يذكر العبد به ربه، من قراءة القرآن، أو الصلاة، أو الدعاء، أو التسبيح، أو التهليل، أو التحميد، أو غيرها.
1- القرآن أفضل الذكر على الإطلاق: وأفضل الذكر على الإطلاق هو القرآن، ولذلك روى مسلم في صحيحه عن جابر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {أفضل الصلاة طول القنوت} والقنوت هو طول الوقوف كما فسره النووي وغيره، وإنما كان طول الوقوف في الصلاة فاضلاً لأنه محل قراءة القرآن، فكان أفضل ما في الصلاة طول القنوت، ولذلك ينبغي للعبد المسلم أن يحرص على أن يكون له ورد من القرآن، لا يخلفه حفظاً ونظراً.
وفيما يتعلق بالحفظ أثنى الله عز وجل على حفاظ القرآن، ووصفهم بأنهم هم الذين أوتوا العلم، قال سبحانه: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت:49] وكفى بهذا ثناءً على الحفاظ، ولهذا فجدير بكل شاب مسلم أن يحرص على أن يجعل من هدفه ودأبه حفظ القرآن الكريم، فيحفظ في كل يوم قدراً ولو قل، وإن أمكن أن يكون ذلك بعد ضبطه نظراً، حتى يكون الحفظ على أصوله فهو الأولى، أما ما يتعلق بقراءة النظر، فينبغي للإنسان أن يقرأ على الأقل جزءً في كل يوم، حتى يختم القرآن في شهر.
ومما يحسن أن يجعل الإنسان محل هذا بعد صلاة الفجر، لأن هذا الوقت وقت ضائع بالنسبة لأكثرنا، فإن أكثر الناس يقضون هذا الوقت المهم المثمر في النوم، ويضيعون على أنفسهم بذلك فضلاً عظيماً، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس كان كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة} فأنت حين تترك هذه الفضيلة، تفرط يومياً بأجر حجة وعمرة!.
ثم روى مسلم في صحيحه أيضاً: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يجلسون في المسجد بعد صلاة الفجر حتى تطلع الشمس حسناء، فيتحدثون في أمورهم، ويذكرون الله، وربما ذكروا أمر الجاهلية فيضحكون، ويتبسم الرسول صلى الله عليه وسلم} .
فينبغي للإنسان أن يجعل له علاقة بهذا القرآن، لا يسمح بالتفريط فيه، فإن شغله عن ذلك شاغل عوضه فيما بعد، وكان عكرمة بن أبي جهل يضع القرآن على صدره ثم يبكي! ويقول: [[قرآن ربي كلام ربي]] وذلك لما وجد في قلبه من اللذة بمناجاة الله تعالى بقراءة القرآن كما قيل: هو الكتاب الذي من قام يقرؤه كأنما خاطب الرحمن بالكلم 2- من أعظم الذكر الدعاء: ومن الذكر أيضاً الدعاء، بل هو من أعظم الذكر، ومن أعظم أبواب العبادة، وإذا كانت العبادة مأخوذة في اللغة العربية من التعبد، يقال: هذا طريق معبد يعني بكثرة السير عليه، فإن الدعاء من أعظم العبادات التي تتجلى فيها العبودية لله تعالى، لأن فيه شدة الانكسار بين يديه، فالعبد وهو يصلي ربما يداخله أحياناً نوع من العجب بعمله، ولكن العبد في حال الدعاء، إذا صدق فيه، فإنه يتحقق فيه كمال الانكسار والتذلل والخضوع لله عز وجل، ولذلك صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الترمذي وغيره أنه قال: {الدعاء هو العبادة} وكما في قول الله عز وجل: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] .
3- العمل الصالح من أهم عوامل تقوية الإيمان: والعمل بصفة عامة من أهم عوامل تقوية الإيمان، بل هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، سواء في ذلك عمل اللسان، أو عمل الجوارح، كالصيام والصدقة والزكاة والعمرة والحج، وزيارة الأقارب والزيارة في الله، وغير ذلك من الأعمال الصالحة، فهي من أهم وسائل تقوية الإيمان، ونقيضها الأعمال السيئة التي هي من أهم وسائل تضعيف الإيمان، والقضاء عليه، ولذلك جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة ذات شرف يرفع الناس إليه أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن} وزاد مسلم في صحيحه {فإياكم وإياكم} يعني: احذروا هذه الأعمال فإنها جديرة في سلب الإيمان من صاحبها، ولذلك كان ابن عباس يقول لعبيده: [[اسمعوا، من أراد منكم الباءة زوجناه، فإن العبد إذا زنى نزع الإيمان من قلبه حتى يكون فوق رأسه كالظلة كما أنزع قميصي هذا وقد يعود إليه وقد لا يعود]] فإذا خرج الإيمان من قلب الإنسان فالإنسان لا يضمن أن يعود الإيمان إلى قلبه، وهذا فيه وعيد شديد لكثير من أصحاب المعاصي.
أرأيت ما يقع فيه كثير من شبابنا من خروجهم في الإجازات وغيرها إلى كثير من البلاد، ومعاقرتهم الخمور، ومواقعتهم النساء بالحرام والعياذ بالله، وما يترتب على ذلك من انسلاخهم من الإيمان عند حال مواقعتهم لهذه المعاصي، هل يأمن الواحد منهم أن ينسلخ الإيمان من قلبه، ويسلب هذه النعمة فلا تعود إليه مرة أخرى؟! ألم يسمع ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث سمرة بن جندب -في رؤياه الطويلة- في صحيح البخاري: {أنه رأى قوماً في تنور وهم يعذبون، ولهم ارتفاع وانحدار، فإذا ارتفعوا ضوضوا وصوّتوا فقال: يا جبريل! من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني} فأي خطر يهدد الإنسان أعظم من ذلك!!