والزيادة في الإيمان تقع على صورتين: إما أن تكون زيادة في كيفية الإيمان، يعني في قوته أو ضعفه، وهذا ثابت، فأنت -مثلاً- لو سمعت ببعض البلدان لأول مرة، أو دولة من الدول، فإنك حين تسمعها لأول مرة، وكان من سمعتها منه رجلاً موثوقاً خبيراً تقبلت خبره وصدقته، لكن هذا التصديق قابل للنقض، فلو جاءك آخر وشكك فيه لداخلك الشك، فإذا جاء ثاني، وثالث، ورابع، وحدثوك عن هذا البلد نفسه، وسكانه، ومنتجاته وتفاصيله وغير ذلك، بدأ إيمانك بوجود هذا البلد واقتناعك يزداد يوماً بعد يوم، حتى يصبح في يوم من الأيام غير قابل للنقض، ولو جاء واحد بيننا الآن يشككنا بوجود دولة من الدول التي نسمع بها صباح مساء، لسخرنا منه جميعاً، مع أننا ربما لم نزر هذه الدول أو معظمها، لكن قناعتنا فيها صارت قناعة مطلقة غير قابلة للشك، فإذا حدث أن سافر هذا الإنسان وزار هذه الدولة، وتجول في ربوعها، فإن هذا الإيمان ينتقل حينئذٍ إلى مرتبة المشاهدة، واليقين المطلق.
إذاً التصديق بالقلب يتفاوت، هذا مع أن للقلب أعمالاً أخرى تتفاوت أيضاً، فمن المعلوم أنه يترتب على تصديق القلب أعمال أخرى، من الحب لله عز وجل، ورجائه، والتوكل عليه، والرغبة فيما عنده، وهذه الأعمال القلبية يتفاوت الناس فيها تفاوتاً أبعد مما بين المشرق والمغرب، هذا من حيث قوة الإيمان وضعفه.
ولكن أيضاً هناك زيادة ونقص في مقدار وكمية الشيء الذي يؤمن به الإنسان، فالإنسان حين يسمع آية من كتاب الله يؤمن بها، فإذا سمع آية أخرى يؤمن بها، وهكذا كلما سمع آية جديدة، أو حديثاً، أو حكماً يسمعه لأول مرة فآمن به وصدق ازداد عدد الأشياء من الآيات، والأحاديث، والأحكام التي يؤمن بها، ولذلك قال الله عز وجل في الآية السابقة: {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً} [التوبة:124] وقال سبحانه: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً} [التوبة:124] لأنها سورة جديدة أنزلت فآمنوا بها فزاد إيمانهم.
إذاً الإيمان يزيد وينقص كماً وكيفاً، وأهله يتفاوتون فيه قوة وضعفاً، ولذلك روى الحاكم في مستدركه، وصححه ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان عن ابن مسعود رضي الله تعالى أنه كان يقول: [[إن عماراً ملئ إيماناً إلى مشاشه]] وهكذا تكون قوة الإيمان بحيث يخالط الإيمان لحم الإنسان ودمه ويجري في عروقه حتى يصبح فرح الإنسان وحزنه وسعادته، وروح قلبه، وما يعتريه من أحوال نفسية مختلفة، مرتبطاً بهذا الإيمان، يفرح ويجزن من أجله، ويحب ويبغض فيه، ويوالي ويعادي على أساسه.