Q ما حكم الشك في الدين إذا خالج الإنسان، ولكنه ليس شكاً ظاهراً؛ بل هو أقرب للوسواس؟
صلى الله عليه وسلم الذي يبدو لي أن هذا الذي سأل عنه الأخ السائل هو نوع من الوسواس، ولاشك أن الإنسان لو شك في دينه شكاً حقيقياً فإنه يكفر، إنما يجب على الإنسان ألا يستعجل في إطلاق هذه الكلمة، فإنني أعلم كثيراً من الشباب وخاصة في مرحلة المراهقة، تدور في مخيلاتهم أفكار كثيرة يضيق منها الإنسان، ويتبرم بها، وربما تجد بعض هؤلاء الشباب قد ضاقت عليه الأرض بما رحبت، واسودت الدنيا وأظلمت في عينيه، ولا يهنأ بعيش، ولا بنوم، ولا يأكل، ولا يشرب، فلو سألته ما شأنك؟ قال: أنا عندي شكوك، ووساوس، وعندي كذا وكذا.
فنقول له: إذا كان عندك شكوك ووساوس فأنت مما تخاف؟ قال: أخاف أن أموت على هذا الحال، إذاً كونك تخاف أن تموت على هذه الحال، دليل على أنك مؤمن في الحقيقة، وإلا لو كنت غير مؤمن، لما كنت مبال أن تموت أو لا تموت على هذه الحال! فوجود خوف حقيقي مزعج للإنسان، دليل على أن عنده أصل الإيمان في الغالب، وإلا فإن الإنسان ربما يقول: أنا أخشى أن أموت، وهذا مثل ما يقول المعري: قال المنجم والطبيب كلاهما لا يُبعث الثقلان قلت: إليكما إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما فهذا المذهب لاشك أنه يحتمل، لكن الذي لاحظته من معايشتي ورؤيتي لعدد من هؤلاء الشباب، أن الأمر بالنسبة لهم ليس شكاً حقيقياً، وإنما هو نوع من الوسوسة يكيد بها الشيطان للإنسان! والدليل على ذلك أن هذه الوسوسة تأخذ صوراً شتى -فمثلاً- تجد الإنسان اليوم يشك في بعض الأمور المتعلقة بالألوهية، فيظل يعالج الأمر، ويقرأ في الكتب، ويراجع المشايخ وطلاب العلم والعلماء وغيرهم حتى يزول هذا الأمر، ثم تجد أمر الشك عنده تحول إلى وسوسة في شأن الوضوء، وأعرف أناساً بهذا الشكل، فصار يشك في الوضوء، ويطيل الوضوء، ويكرره، فظل يعالج هذا الأمر حتى انتهى، فأخذ الشك صورة ثالثة، أو الوسوسة بالأصح، وهي الشك في موضوع الصلاة، فصار يكرر الصلاة، ويعيدها، وهكذا.
فهذا دليل على وجود شيء من الضعف في القلب عند الإنسان يأخذ صوراً شتى، فمرة يأخذ صورة الوسوسة في شأن الإيمان، ومرة أخرى في شأن الوضوء والطهارة، ومرة ثالثة في شأن الصلاة! والذي أنصح به من وجد شيئاً من ذلك: أولاً: ألا يلتفت إليه، فإن أثمن وأعظم نصيحة هي ألا يلتفت إليه، والشيطان إذا أعرض عنه الإنسان وهجره ضعف كيده، وإذا أصغى إليه الإنسان وحاول أن يستمع منه تعاظم حتى يكون كالجبل العظيم.
إذن فأعظم وأثمن نصيحة هي ألا تلتفت إلى هذا الأمر، ولا تصغ إليه، وحاول أن تشغل نفسك بأمور أخرى! مثلاً بالقراءة! أو الرياضة! أو الصلاة، أو العبادة، أو الزيارة، أو المجالسة أو بغيرها من الأمور الخيرية أو الأمور العادية!! الأمر الثاني: إذا رأيت أن الأمر لم يندفع عنك، فعليك ألا تتردد في الاتصال بأحد العلماء، أو طلاب العلم الذين تجد عندهم الشفاء لما تعاني.
الأمر الثالث: أن تدرك أن هذه الحالة التي تعانيها ليست دائمة، والذي لاحظته عند كثير من المصابين بهذا الأمر أنهم يتصورون أن هذا الذي يعانونه ثابت، ومستمر، وسرمدي عليهم، حتى لا يخيل للواحد منهم أنه سينجو مما هو فيه.
فأقول: لا، بل يجب على الإنسان أن يدرك أن الحالة التي عاشها هي أيضاً عاشها أكثر الشباب المراهقين، ثم تخلصوا منها، فعليه أن يدرك أنها ستزول، وعليه أن يطمئن قلباً، ويحرص على الامتثال للنصائح التي ذكرت، والاعتصام بالله وكثرة الدعاء، وقد صح عن حذيفة رضي الله عنه في مستدرك الحاكم أنه قال: [[يأتي على الناس زمان لا ينجو فيه إلا من دعا دعاء الغريق]] فعلى الإنسان أن يفزع إلى الله عز وجل بكثرة الدعاء.