وكثير من الناس أحياناً، ربما في معظم أو كل المجتمعات الإسلامية تسمعون بالتقسيم، أن في المجتمع ناساً نسميهم بالملتزمين، وهناك أناس نقول عنهم: غير ملتزمين، وهذه القسمة شاعت وذاعت، حتى أصبحنا نجد كثيراً من الشباب قد يتصل بك أو يقابلك فيقول: كان الشخص غير ملتزم، ولكنه يحب الخير، ومحافظ على الصلوات أنت تتعجب! أولاً: ما هو معيار الالتزام؟ هل نقصد بالالتزام أن يكون مظهر الإنسان فقط متفقاً ومنسجماً مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، أو نقصد بالالتزام التمسك بالدين؟ فهذا الإنسان الذي قد يكون مفرطاً في مظهره وعنده معصية ظاهرة، ربما يكون من جهة أخرى ملتزماً؛ فهو مبكر إلى الصلوات، حريص على الجماعات، بار بوالديه، كثير الإنفاق في سبيل الله، عنده جوانب من الخير عظيمة، فهو ملتزم بهذا الاعتبار وإن كان عنده تفريط، كما أن ذاك الأخ الآخر الذي ربما عنده التزام ظاهر في ملابسه في شكله في شعره في هيئته في هديه وسمته الظاهر، لا يمنع هذا أن يكون عنده نقائص وعيوب خفية؛ فقد يكون مفرطاً -مثلاً- في صلاة الفجر مع الجماعة، وقد يكون عنده نوع من التقصير في حق الوالدين، أو ما أشبه ذلك من الأخطاء.
إذاً: ينبغي أن نضبط المعيار حينما نقول: ملتزم، أو غير ملتزم هذا أولاً.
ثانياً: من الخطأ أن نعتبر أن هذه القسمة أو هذه التسمية تقتضي نوعاً من الانفصال بين الناس بعضهم بعضاً، فإذا كنت أنا غير ملتزم -مثلاً- بهذا الاعتبار الذي ذكرناه قبل قليل، فأنا محتاج إلى أولئك الملتزمين لأستفيد منهم ومن علمهم ومن أخلاقهم، وأقتبس منهم، والآخر أيضاً الملتزم هو محتاج إلى أن يسوِّق بضاعته ودعوته عند من يسميهم أحياناً بغير الملتزمين.
إذاً: هي مجموعات داخل هذا المسمى يحتاج بعضها إلى بعض، وعلينا ألا نسرف في استخدام هذه الكلمة، وأن نضع لها الضوابط، وأيضاً ألا نسمح بأن توجد نوعاً من الانفصال.
إن كثيراً من شبابنا اليوم -مثلاً- في الأرصفة، أو في الاستراحات، أو في المنتديات، أو حتى في المدارس، ربما أصبحت القنوات الفضائية، أو مواقع الإنترنت، أو المجلات، أو السفريات، أو العلاقات الخاصة والمجموعات؛ ربما أصبحت تؤثر في صياغة سلوكهم أكثر مما يؤثر المجتمع المحيط بهم ربما الأب عاجز؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه ربما الأم أيضاً لا تستطيع أن تسيطر أو تضبط أولادها، لكن زملاؤهم وأساتذتهم ومن في سنهم، ربما لو جدُّوا واجتهدوا لاستطاعوا أن يؤثروا فيهم تأثيراً بعيداً.