الله تبارك وتعالى يقرر لنا أن المؤمنين إخوة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] ويقول سبحانه: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون:52] ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (المسلم أخو المسلم) .
إذاً الأخوة ليست في العروبة، وليست في الأرض، فالأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله.
وليست في المصلحة المشتركة، وليست في التاريخ المشترك، وإنما الأخوة الحقيقية هي التي تظلل الناس في ظل هذا الدين إن يختلف نسب يؤلف بيننا دين أقمناه مقام الوالد أو يفترق ماء الوصال فماؤنا عذب تحدَّر من غمام واحد حتى حينما يقع عليك عدوان أو ظلم من أخيك، فهذا لا يعني أن أخوته زالت، تأمل قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] بين طائفتين وصل الأمر بينهما إلى حدِّ الاقتتال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات:9] ومع ذلك سماهم إخوة وقال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات:10] وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة:178] يعني: في شأن القاتل الذي قتل أخاه المسلم، ومع ذلك سمَّاه الله تعالى أخاً، فالقاتل أخ للمقتول، والمقتول أخ للقاتل، إذاً هذه الأخوة التي عقدها الله تبارك وتعالى، لا يجوز أبداً لعوامل الفرقة والاختلاف، وحتى العداوة التي تقع بين المسلم وأخيه -لا يجوز أن تقضي على أساس هذه الأخوة أو تزيلها.
نعم، قد تجد من الناس من يقع منه تقصير في دينه -مثلاً- أن يكون عنده انحراف، أو معصية، أو تقصير، لكن ما دام يصح له وصف الإسلام فله أصل الحقوق، وإذا تم له كمال الإيمان كملت له الحقوق، وهذه نقطة مهمة جداً، نقول: كل من صح أن يوصف بأنه مسلم فله حقوق المسلم (حق المسلم على المسلم ست: رد السلام، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم، وعيادة المريض) وغير ذلك من الحقوق التي لم تذكر في هذا الحديث, فكل من صح له وصف الإسلام ولو كان في الدرجة الدنيا منه فله قدر من هذه الحقوق، لكن كلما عظم قدره في الإسلام كلما عظمت حقوقه؛ ولهذا كان أعظم الحقوق على المسلمين بعد حق الله تعالى حق النبي عليه الصلاة والسلام، ثم حق الصحابة رضي الله عنهم، ثم حق أهل العلم، وأيضاً حقوق الوالدين.
فالمقصود أن الحق باقٍ لكل من صح أن يوصف بأنه من المسلمين، وإن كان عليه نقص أو زلل أو تفريط، أو عنده شيء من الخطأ.
ولذلك قد يقول البعض: هذه أخوة عامة وأخوة خاصة، وأنا أفضل عدم استعمال هذا المصطلح؛ لأن الأخوة العامة والخاصة أجراها النبي صلى الله عليه وسلم للمهاجرين والأنصار، فآخى بين فلان وفلان، هذا مهاجري وهذا أنصاري، وكان بينهم نوع من الاندماج، حتى في أموالهم وفي سكنهم وفي أمورهم، حتى قال سعد بن الربيع لـ عبد الرحمن بن عوف: [انظر شطر مالي فهو لك، وانظر أجمل زوجتيَّ فأطلقها حتى تعتدَّ ثم تتزوجها من بعدي] وهذا الحديث في صحيح البخاري، فهذه أخوة خاصة كانت بين عبد الرحمن وسعد مثلاً.
لكن المقصود: أن الأخوة بين المسلمين قائمة، ولا مانع أن يعلم الجميع أن هذه الأخوة تتفاوت درجاتها، فليس حق شيخك العالم الجليل، صافي المشرب والمذهب، صادق السريرة، صالح القول والعمل المؤثر عليك؛ كحق إنسان بعيد من الناس، أو كحق شخص مضيع أو مفرِّط.