Q علمنا من بعض محاضراتك أن الأخلاق منها جِبِلَّية، ومنها مُكَتَسبة، فما هو السبيل لتحسين الخلق المطبوع عليه أو الجبلي؟
صلى الله عليه وسلم السبيل لتحسين الخلق الذي طبع عليه الإنسان كالتالي: أما إن كان الخلق الذي طبع عليه الإنسان حسناً، فهذا من توفيق الله للعبد أن طبعه على الخِلال التي يحبها الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم لـ أشج عبد القيس: {إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة} وفي بعض الطرق أنه قال: {هل هما مما جبلت عليه؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم، إنهما مما جبلت عليه، فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه الله ورسوله} فمن توفيق الله للعبد أن يجبله على الخلال التي يحب، فإذا وجدت في نفسك خصالاً حميدة -وكل إنسانٍ لا بد أن يكون قد جُبل على بعض الخصال الحميدة- فعليك أن تحرص على تنمية هذه الخصال الحميدة، وتعاهدها بالسقي والرعاية حتى تكبر ويزداد انتفاعك بها، فقد تجد في نفسك أن الله جبلك على الإحسان إلى الخلق، وحب الإحسان، فوسّع وعمّق هذا الخُلق بأن تكثر من الإحسان، وأكثر من قراءة الأحاديث والآثار الواردة في ذلك، واسْع في سبُل الإحسان إلى الخلق، حتى يتعاظم هذا الخُلق الحسن عندك ويكبر، ويكون فعله بنيةٍ واحتساب، وتؤجر عليه أشد الأجر، وحتى يغطي هذا الخلق الحسن على ما قد يوجد في نفسك من بعض الأخلاق الذميمة التي ربما تكون قد جبلت عليها.
ولذلك أنتقل إلى النقطة الثانية: وهي ما إذا جبل الإنسان على خِلالٍ مذمومة، كالبخل، أو الجبن وغير ذلك، فما هو السبيل إلى تحسين هذه الخلال المذمومة، أو إزالتها؟ نقول: أولاً: السبيل هو ما سبق، فعليك أن تنظر إلى الخلال الطيبة التي طبعت وجبلت عليها فاعمل على تنميتها، لأن الإنسان مثل الإناء إذا وضع فيه مادة طيبة، طردت المادة السيئة، ولو أن عندك أناءً فيه خمرٌ، فوضعت في هذا الإناء مادة أخرى، فإنها تزاحم هذا الخمر حتى تزيلَه إما إزالةً كلية أو إزالةً جزئية، وبقدر قوة المادة الطيبة تزول المادة السيئة، فكذلك الأخلاق في النفس؛ إذا ربى الإنسان في نفسه مكارم الأخلاق قضت وغطَّت على الأخلاق السيئة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: [[إن الإنسان قد يوجد فيه خلقٌ واحدٌ سيئ، وتسعة أخلاقٍ حميدة، فيغلب الخلق السيئ الأخلاق الحميدة]] كما رواه مالك والبيهقي وغيرهما وسنده صحيح.
إذاً يغلبها إذا تهاون الإنسان في تنميتها؛ لكن إذا نمى الإنسان الأخلاق الحميدة غلبت على الأخلاق السيئة.
الوسيلة الثانية: هي المجاهدة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد المتفق عليه: {من يتصبر يصبره الله، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله} إذاً الصبر خلقٌ حسن، وقد يكون الإنسان طبع على العجلة، وعدم الصبر، فبالتصبر وتكلف الصبر يعتاد الإنسان هذا الأمر حتى يصبح سجيةً وخلقاً وديدناً له، وكذلك العفَّة: فالتعفف عن المال الحرام وعن المال المشتبه، وعن المكاسب الرديئة، فقد يكون عند الإنسان رغبة في المال ونهم؛ لكن إذا عود نفسه على ألا يأكل إلا الحلال، وعلى الانكفاف عن هذه الأشياء والتعفف عنها رزقه الله تعالى العفة.
وكذلك الحِلْمُ: فالحِلَمُ بالتحلم، والعِلْمُ بالتعلم، فإذا عود الإنسان نفسه وجاهدها على الحِلْمُ، فإنه يرزق ذلك، فلا بد من مجاهدةِ النفس، وتكلف هذه الأخلاق حتى تصبح سجية.
ومن الوسائل المفيدة في ذلك: مراقبة النفس ومحاسبتها، وأعرف بعض الشباب جبلوا على أخلاقٍ ذميمة، واستطاعوا بعون الله وتوفيقه أن يتخلصوا من كثيرٍ منها ويهذبوها وإن لم تزل بالكلية، وذلك عن طريق كثرة المراقبة والمحاسبة، وإذا خلوت بنفسك تذَّكر المواقف السيئة التي حصلت لك، ثم تذكر الموقف السليم الذي كان يجب أن تفعله، وصبِّر نفسك على هذا الموقف، وبطبيعة الحال الخلق لا يزول في يومٍ وليلة، أو بمرةٍ أو مرتين، فالإنسان الذي عنده عجلة وجزع وعدم صبر لا يحظى من ذلك بشيءٍ كثير، حتى يعود نفسه على الصبر وطول النفس.
ومن الوسائل المفيدة في ذلك: أن تطلب من بعض جلسائك وخاصتك أن ينبهوك باستمرار على ما يلاحظون عليك من الأخلاق الذميمة، وعلى الأقل اجعل لك صفياً تشارطه على أن ينصح لك وتنصح له، فإذا وجدت عليه عيباً بيَّنته له، وإذا وجد عليك عيباً بينه لك، وهذا ينفعك كثيراً، حيث يكون لك كالمرآة، قال الشاعر: شاور سواك إذا نابتك نائبة يوماً وإن كنت من أهل المشورات فالعين تبصر فيها ما دنا ونأى ولا ترى نفسها إلا بمرآة فأنت بحاجةٍ إلى مرآة، ترى فيها عيوبك، وهذه المرآة هي أخوك الذي تصافيه الود والمحبة في الله جل وعلا.
ومن الوسائل المفيدة: دعاء الله جل وعلا، فإن من دعا الله أن يرزقه حسن الخلق رزقه الله ذلك.