أما أولئك الطلاب الذين هم مستقبل الأمة الواعد، لا بد لهم من الجد في الطلب، وأن يقووا عزائمهم، ويشدوا عقولهم لتحصيل هذا العلم الذي يسعون إليه، ويبذلون في سبيله الأوقات، وهم يشعرون أنهم يتعبدون الله تعالى بتحصيل هذا العلم، فإن هذا العلم متى كان من العلوم المباحة التي يحتاج إليها المسلمون، فإن طلبه بنية خالصة هو من القربات إلى الله تعالى، والذي يجلس في مختبره، أو أمام جهاز من أجهزته، أو معتكفاً على بحثٍ من البحوث التي يحتاجه المسلمون، يجلس ونيته أن ينفع الأمة، لا أعتقد أن أحداً يشك أن الله يمنحه الأجر الكبير، كيف لا، والله تعالى يأجر الفلاح في مزرعته، ويأجر كل إنسان في ميدان عمله؟! بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أن كل معروفٍ صدقة، ولو قلّ، فكيف بهذا المعروف الكبير الذي هو خدمة للأمة، وحماية لها! وتحصين من عدوها، وتقديم خدمات جليلة لها، وسير بالدعوة الإسلامية من الكلام النظري إلى الواقع العملي؟! فإن الناس لا يستغنون أبداً عن الطبيب الذي يُصدقُ قول العالم، والاقتصادي الذي يصدق قول الخطيب، فحينما يقول الخطيب لنا مثلاً: إن الربا هو سببُ الكساد والفساد في الاقتصاد، وهو سبب الأزمات، وهو سبب البلايا، فإن الكثير من الناس، وإن صدقوا بذلك إلا أنه لم يبلغ عندهم مبلغ اليقين، فإذا جاءنا المختص في الاقتصاد، وقدم لنا من خلال الوثائق والأدلة والإحصائيات، أن هذا الأمر حقيقةٌ قائمة في العالم اليوم، مبنية على مُقدمات وأسباب، وهذه هي النتائج؛ فإن الكثيرين يديرون رءوسهم ويتعجبون، ويقولون: سبحان الله العظيم!! وإذا حدثنا الواعظ عن الزنا وخطره، وأثره في انتشار الأمراض والآفات والعقوبات، فإن الكثيرين يصدقون، لكن لا يصل تصديقهم إلى درجة اليقين، فإذا جاءنا الطبيب المختص، ليثبت لنا من خلال الحقائق والأرقام، أن الأمراض الخطيرة اليوم التي تُهدد البشرية، وتجتاح مئات الملايين من البشر، كالهربز والإيدز وغيرها، هي نتيجة عقوبة إلهية للشذوذ الجنسي، أو للاتصال الجنسي المحرم أو غير ذلك، فإن الكثير من الناس يعتبرون هذا آية من آيات الله تعالى، ويقولون: سبحان الله العظيم! سبحان الله وبحمده! فنحنُ نحتاج إلى المختص الذي يصدق قول العالم وقول الفقيه، وأنت أيها الطالب تسير في هذا السبيل، وتنحو ذلك المنحى، فالجدَّ الجدَّ! والاجتهاد الاجتهاد! في الدأب والطلب والتحصيل، وإدراك أن هذا العمل الذي تقوم به هو تهيئة للقيام بدور كبيرٍ في الدعوة إلى الله تعالى.