حب الراحة

ثم يقول عليه الصلاة والسلام، في المرحلة الثالثة: {ثم قعد له في طريق الجهاد} أي أن الشيطان قعد للإنسان بطريق الجهاد هو الآن أسلم أولاً، ثم هاجر ثانياً، ثم أراد أن يجاهد.

فالشيطان يقف للمرة الثالثة، وهو لا ييئس، فيقول له: {أين تريد أن تذهب؟ تجاهد! كيف تجاهد؟! أتدري ما الجهاد؟! الجهاد هو جهد النفس والمال} أي: إتعاب النفس والمال، إتعاب النفس معروف بالجهد الذي يبذله الإنسان؛ أما إتعاب المال فقد يكون مجازياً بمعنى إنفاق المال في الجهاد في سبيل الله، وقد يكون حقيقياً بمعنى أن الإنسان يتعب ماله، يتعب الخيل والإبل، يتعب العبيد الأرقاء تعباً حقيقياً بالجهاد في سبيل الله، هو جهد النفس والمال.

فمالك وللجهد والتعب؟! الراحة والسكون أمر مطلوب، وأكثرنا يميل إلى الراحة والسكون حتى ولو كان يتطلع ويتمنى الخير ولله در الشاعر الذي يقول، -وما أجمل ما يقول-: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتالُ كل الناس بودهم أن يكونوا أبطالاً، وبودهم أن يكونوا شجعاناً، وبودهم أن يكونوا كرماء، وبودهم أن يكونوا ممن يشار إليهم بالبنان، وبودهم أن يكونوا في الدرجات العليا في الجنة؛ لكن الفرق ليس في الود والرغبة القضية قضية الاستطاعة، استطاعة الإنسان التغلب على حب هذه الأشياء؛ ولذلك يقول: لولا المشقة ساد الناس كلهم الجود يفقر والإقدام قتَّالُ فالشيطان يدعو الإنسان ويثير غريزة حب الراحة {الجهاد هو جهد النفس والمال، فتقاتل، فتقتل!! فتنكح الزوجة ويقسم المال} فالحقيقة أن الإنسان لو -فعلاً- شد أحزمته، وركب راحلته، ويمم شطر ميادين الجهاد فعلاً، ماذا تتوقعون أن يثور في نفس الإنسان من المشاعر؟! يتذكر الإنسان في مثل تلك الحال، أنه مُقِدَم على ميدان القتال، وهناك احتمال كبير جداً أن يقتل؛ والإنسان دائماً يضع الاحتمالات في نفسه، واحتمال القتل يغلب في مثل هذه الحال في نفس الإنسان فأنت ستقتل الآن ماذا سيجري بعد قتلك؟ ستفقد الحياة، وغريزة حب الحياة: غريزة موجودة عند الإنسان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015