حملة الدعوة وأعداء الدعوة هم من الشباب

ولهذه الأهمية لفترة الشباب؛ فإننا نجد أن حملة الدعوات، وأنصار الرسالات، وقادة الموكب هم دائماً من الشباب، فلو نظرت إلى أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؛ لوجدتهم غالباً من الشباب، ونجد أن الله عز وجل حين ذكر قصة موسى عليه الصلاة والسلام قال: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ} [يونس:83] .

يقول مجاهد بن جبر رحمه الله -أحد أئمة التابعين في التفسير- في تفسير هذه الآية، أي في تفسير الذرية: [[إنهم أبناء الذين بعث إليهم موسى بعد طول الزمان وبعد موت آبائه]] وهذا القول يفهم منه أن غالب الذين آمنوا بموسى واتبعوه، كانوا من الشباب، من أبناء الجيل الذي بعث فيه موسى، أما الكبار الذين بعث فيهم، فلم يؤمن منهم معه إلا قليل.

وحين ننظر في دعوة النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم، نجد هذه القضية واضحة كل الوضوح، فأنت لو تأملت أسماء الذين عذبوا في الله بمكة، أو أسماء الذين هاجروا إلى الحبشة، أو إلى المدينة، أو الذين حضروا الغزوات، أو الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله عز وجل؛ لوجدت أن غالبهم من الشباب.

وأضرب لذلك مثلاً واحداً، وهو ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنه، في بيعة العقبة، يقول رضي الله عنه وأرضاه: [[إن العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم، أحب أن يستوثق لابن أخيه، أحب أن يعرف من هم هؤلاء القوم الذين جاءوا من المدينة؛ ليبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، ليبايعوه على الإسلام وعلى الهجرة، وعلى أن يمنعوه إذا قدم إليهم مما يمنعون منه نساءهم وأبناءهم، فقال العباس: يا ابن أخي، إني ذوا بصر بأهل يثرب، فما أدري من هؤلاء النفر الذي جاءوك -قال جابر بن عبد الله -: فتوافدنا على النبي صلى الله عليه وسلم من بين رجل ورجلين حتى اجتمعنا إليه، فقال العباس: هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث]] .

لقد أبدى العباس دهشته حين نظر في طلعات هؤلاء المبايعين، وربما كان يظن أنه سيجد مجموعة من كبار الشيوخ الذين خطهم الشيب، أو الشيوخ الذين عرفهم في المدينة، من خلال مجيئه إليها ومروره بها في أعمال التجارة وغيرها، وإذا به يفاجئ أن هذه الطليعة المؤمنة، التي تبايع النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي من الشباب، فلم يُخف هذه الدهشة وهذا الاستغراب، فقال أمامهم وهم يسمعون: [[هؤلاء قوم لا نعرفهم، هؤلاء أحداث]] والحديث رواه الإمام أحمد والحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي، ورواه ابن حبان في صحيحه، وله طرق يتقوى بها.

وحين ننتقل إلى الحركات التجديدية، التي جدد أصحابها ودعاتها ما اندرس من شأن الدين؛ نجد أيضاً أن أنصار هذه الدعوات والذين يمشون خلف هؤلاء القادة والزعماء، أنهم كانوا -أيضاً- من الشباب، ومالنا نذهب بعيداً في التاريخ، ونضرب الأمثلة من الماضي السحيق، ونحن نجد اليوم في هذه الأزمنة وفي مختلف أنحاء العالم الإسلامي، بل في مختلف أنحاء العالم، نجد الذين رفعوا راية الإسلام، وأقبلوا على العلم والتعليم، والدعوة إلى الله عز وجل، ومعرفة السنة والعمل بها، والدعوة إليها، نجد أن غالبيتهم من الشباب.

وكل متأمل في أوضاع المسلمين اليوم، يجد أنهم يعيشون توبة وأوبة إلى الله عز وجل، وصحوة لا عهد لهم بمثلها، ليس على مستوى الشباب فحسب ذكوراً وإناثاً، كلا، بل وحتى على مستوى الكبار، وعلى كافة المستويات، ولكن للشباب في هذه الصحوة دور بارز ليس لغيرهم، وما كان لهذا العلم أن ينتشر لولا إقبال الشباب عليه ورغبتهم فيه بتوفيق الله تعالى.

إذاً فالذين يحملون مشعل الهداية، ويقبلون على الخير، هم في الغالب من الشباب.

وحين نقلب الصفحة نجد في المقابل، أن أعداء الأنبياء والرسل الذين يجاهرون بالعداوة ويستميتون في سبيلها؛ نجد أن من بينهم شباباً ممن لم تستنر قلوبهم بنور الإيمان، ونجد لهؤلاء الشباب من القوة في مقاومة دعوة الأنبياء وأتباعهم ما ليس لغيرهم من الشيوخ الكبار، ونجد في واقع المسلمين اليوم، وفي ماضيهم القريب أيضاً.

إن كثيراً من حملة المبادئ المنحرفة، ومن دعاة الأفكار الهدامة، كالشيوعية والقومية والبعثية وغيرها من المذاهب التي عرفها المسلمون في ماضيهم القريب وفي حاضرهم، نجد أن كثيراً من الذين نعقوا بهذه الدعوات، وصرخوا بها بين أظهر المسلمين، أنهم كانوا من الشباب.

ولا غرو أن نجد أعداء الإسلام من المستعمرين، يحرصون على أن يكون دعاة المبادئ المنحرفة من شباب المسلمين؛ لأنهم يعرفون أن شجرة الإسلام لا تجتث إلا بغصن من غصونها.

أيها الشباب! لقد عرفتم الآن أن للشباب أهمية كبيرة، وأن الشباب هم قادة الموكب، وأن الخير التي تنتظره الأمة يكون بإذن الله على يد الشباب ذكورهم وإناثهم، وبناءً على ذلك: فإن من حق الشباب الحديث عن المشكلات والقضايا التي يحتاجون إلى التنوير بشأنها.

وسأتحدث في هذه الدقائق عن أربع قضايا تربوية مهمة، يحتاج كل شاب إلى تفهمها:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015