إذاً: العلمانية الحقيقية هي الشرك بالله تعالى، الشرك الذي يريد أن يكون المسجد لله، والمسجد للعبادة فقط، للصلاة فقط، أما ما سوى ذلك فهي تنادي أن يكون لغير الله، أن يكون للشيطان، أو كما تقول الكلمة النصرانية: أن يكون لقيصر.
كيف يستطيع مسلم -يتردد على المسجد ويصلي في المسجد- أن يفهم ذلك؟! والمسجد في حسه ليس كنيسة تقع فيها بعض الطقوس ثم يخرج منها، بل المسجد في حسه منبر إعلامي، يجلس المسلمون في كل جمعة، وفي أوقات أخرى، ليستمعوا من خطيب المسجد، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خلفاؤه من بعده يخطبون على هذا المنبر، فيستمع الناس إلى توجيهات الإسلام وحكمه، وما يتعلق به في جميع شئون الحياة.
كيف يستطيع المسلم الذي يتردد على المسجد أن يقبل بالعلمانية وهو يعلم أن المسجد مؤسسة تعليمية تلقى فيها الدروس، ويسمع فيها كلام الله عز وجل وتلقى فيها السنة، ويتحدث فيها عن الحلال والحرام؟! كيف يستطيع أن يفهم ذلك وهو يدرك أن المسجد مجلس للشورى يلتقي فيه المسلمون، كما كانوا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وإلى يوم الناس هذا، فيتبادلون أطراف الحديث، ويتشاورون في كل ما يهمهم من أمر دينهم ودنياهم؟! كيف يستطيع أن يفهم ذلك والمسجد في حسه ليس معبداً للطقوس فقط، بل هو مؤسسة أمنية، ومؤسسة اجتماعية، ومؤسسة صحية، ومنطلق للحياة كلها؟!