كما أن العبد محتاج إلى السكينة عند أدائه للعبادة؛ لئلا تتحول عبادته إلى نوع من الاغترار والإعجاب بما وهبه الله عز وجل، فكم من إنسان تحولت عبادته إلى ذنب يعاقبه الله تعالى عليه في الدار الآخرة، وذلك لأنه أدل على الله تعالى بعمله، ورأى أنه قد عمل شيئاً يستحق به الجنة، ويستحق به رحمة الله عز وجل، فعاقبه الله عز وجل على ذلك.
وليس هناك باب يدخل منه العبد على الرب، أعظم من باب الذل والانكسار والاعتراف بالذنب، ولا باب يؤدي بالعبد إلى النار أعظم من باب العجب والغرور والإدلال بالعمل.
وفي الصحيح: {أن رجلاً من بني إسرائيل، كان عابداً، وكان يأتي إلى رجل مسرف على نفسه بالذنوب والمعاصي، فيقول له: يا فلان، اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك، فيقول له: خلّ بيني وبين ربي -أي: دعني وربي- فغضب منه العابد وقال: والله لا يغفر الله لفلان.
فقال الله عز وجل: من ذا الذي يتألى عليَّ أن لا أغفر له، فإني قد غفرت له وأحبطت عملك} .
فيا أيها العبد: إذا كان لسانك الذي تذكر به ربك، وجسدك الذي تستخدمه في طاعته، وعقلك الذي تفكر به، ومالك الذي تنفق منه، وكل ما بيدك، فإنما هو فضل امتنان من رب العالمين، فكيف تدل على الله تعالى بيسير شيء مما أعطاك الله؟! وكيف تدل على ربك، وإنما العبادة التي وفقك الله إليها هي نعمة منه عليك تستحق منك الشكر؟! فإن شكرتها بعبادة أخرى، كانت هذه العبادة الأخرى نعمة جديدة تستحق منك له الشكر وهكذا، فلا يزال العبد ينتقل من نعمة إلى نعمة، ومن شكر إلى شكر، ومن عبادة إلى عبادة.
اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين، اللهم أنزل السكينة في قلوبنا، اللهم زدنا إيماناً على إيماننا، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، واهدنا سواء السبيل، واهدنا ولا تضلنا، اللهم أصلح سرنا وعلانيتنا وظاهرنا وباطننا، وأصلح ذرياتنا ونياتنا وباطننا، اللهم أصلح نياتنا وذرياتنا، اللهم تقبل منا الصيام والقيام، اللهم تقبل منا القليل واغفر لنا الذنب الكثير يا حي يا قيوم يا قدير، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.