إذاً: الدين مظهر ومخبر, لا يقتصر على شيء دون شيء, لكن بعض الناس مع الأسف أخذوا من الدين مظهره ونسوا منه مخبره, ويتجلى هذا في شهر الصيام, حينما ننظر في هذه العبادة التي يختص بها شهر رمضان، وهي الاجتماع على صلاة التراويح والقيام, تجد أن كثيراً من الناس لا يفهمون من هذه العبادة حقيقتها أنها إقبال على الله بالقلب والروح, وخشوع له, وتمسكن, وأن يضع الإنسان أعز وأشرف ما فيه (جبهته) في الأرض لله عز وجل، إنما يفهمون أنه وقت يقضونه في العبادة! ولذلك تجد كثيراً من الناس يسلكون مسلك الاستعجال في العبادة, في صلاة التراويح، فما بين قيام وركوع وسجود, المهم أيهم ينتهي أولاً! وكثيراً ما تجد في المساجد أناساً يتسابقون في صلاة التراويح، وربما يقرأ الإمام آية واحدة أو آيتين, فإذا قرأ نصف وجه اعتبر مطيلاً للصلاة! وحدثني بعض الشباب الثقات أنه في بعض البلاد، كان الإمام يقرأ في كل ركعة آية واحدة من قصار الآيات, فمثلاً يقرأ في الركعة الأولى (ألم) الله أكبر, ثم يقوم في الركعة الثانية فيقول: (ص) الله أكبر, وهكذا طيلة الشهر الكريم! يقرأ آية واحدة من قصار الآيات, بل ربما يقرأ من الحروف المقطعة في أوائل السور ثم يركع ويسجد, وكثير من الأئمة لا يتمكن الذين يصلون خلفه من قراءة الفاتحة, ولا من التسبيح في الركوع والسجود, ولا من قول "ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه" ولا من قراءة التشهد في جلسة التشهد, ولا من غير ذلك, فهو يسرع, المهم: أنه متى ينتهي من الصلاة! ولا شك أن هذا أَخْذٌ بشيء من مظهر العبادة، وغفل عن جوهرها, فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان وغيره إحدى عشرة ركعة, يطيلهن ويتمهن، ويطيل القراءة فيهن, ومن بعده كان أصحابه لما جمعهم عمر رضي الله عنه على صلاة التراويح، كانوا يطيلون القيام حتى يتكئون على العصي من طول القيام! فالعبادة ليست عبثاً أو لعباً أو لهواً, العبادة خشوع ووقوف بين يدي الله تعالى, ولا بد أن يكون الإنسان محتسباً لهذه العبادة, أما أن تتحول العبادة إلى تسابق ومسارعة, فهذا لا شك أنه لا يجوز.