إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم: {من صلى عليّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، ما تعاقب الليل والنهار, وما كرت الأدهار ومرت الأعصار.
أما بعد: عباد الله: إن هذه الجلسة التي هي بعنوان (سلوكيات خاطئة في شهر الصيام) أود أن أتحدث فيها عن ثلاث ملاحظات جوهرية في حياة الصائمين.
الملاحظة الأولى: أن الصيام شُرِعَ في ضمن ما شُرِعَ له لتدريب الإنسان على الأمانة, فالصوم أمانة بين العبد وبين الله, وإنما يصوم العبد ابتغاء مرضاة الله، وطلباً لثوابه، وخوفاً من عقابه.
ولذلك فإن من المتناقضات الغريبة أن يكون الصائمون الذين يفترض أنهم أكثر الناس رعاية للأمانة, وحرصاً عليها, وخوفاً من الإخلال بها, أن يقع من كثير منهم التفريط في الأمانات العظمى، التي ائتمنهم الله تعالى عليها! فأمانة الوقت مثلاً، الذي به يحاسب الإنسان، وينعَّم أو يعذب, هذا الوقت الذي هو أثمن ما مُنح الإنسان, من دخل الجنة فإنما دخلها لأنه حفظ وقته, واستثمره فيما يرضي الله، ومن دخل النار فإنما دخلها لأنه ضيع وقته فيما يسخط الله, يقول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} [فاطر:36-37] هكذا يزعمون، ويدعون ويتمنون، ويطلبون، فيأتيهم
صلى الله عليه وسلم (أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ) أما أعطيناكم أعماراً, أما خلقتم, أما مُتّعْتُم حتى بلغتم سن الرجولة, وعقلتم, وفهمتم, وعرفتم, ثم أعرضتم وضللتم, ألم يحصل هذا؟ بلى حصل, {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [فاطر:37] .
فالوقت: هو الذي يحاسب به الإنسان، فَيُنَعَّم أو يُعَذَّب, ومع ذلك فهذه الأمانة العظيمة يفرط فيها كثير من الصائمين, فيقضون ليلهم في السهر على مشاهدة المسلسلات التافهة, أو سماع الأغاني, أو لعب الورقة, أو الجلسات الضائعة, واسأل الأرصفة فإنها خير شاهد على ما يفعله الناس, وخاصة الشباب في شهر الصيام! فإذا جاء النهار كانوا نائمين، جثثاً هامدة, وهذا هو شأن من سهر ليله، فأحيا ليله -بل أماته- في عبث في غير طائل, وجعل نهاره وقتاً للنوم, وربما فرط فيه في كثير من الواجبات, فليس هذا من رعاية الأمانة، أمانة الوقت.