خذ أمانة المال في هذا الشهر، حين يأتي رمضان تجد الأثرياء، والأغنياء، والمتوسطين، يذهبون إلى المحلات التجارية ليتزودوا لهذا الشهر الكريم بألوان الأطعمة, والمشروبات, والمكسرات, والحلويات, وينوعون ويتفننون بصورة غريبة وعجيبة فيما يأكلون في هذا الشهر! فإذا أتيت وجبة الإفطار وجدت عليها عشرات الأنواع من المطعومات والأغذية, ثم إذا أتيت إلى وجبة العشاء! بعد صلاة المغرب، وجدت ما شاء الله تبارك الله, فإذا أتيت بعد التراويح وجدت مثل ذلك, فإذا أتيت وجبة السحور وجدت مثل ذلك! حتى يصاب الواحد منهم بالتخمة من كثرة ما يتناول من الأطعمة والأشربة في هذا الشهر, وربما بعض الناس لا يتذكرون من رمضان إلا تلك الأغذية والأطعمة, حتى الصغار والصبيان تعودوا أنهم في هذا الشهر يجدون أطعمة وأغذية لا عهد لهم بها, فيفرحون برمضان لذلك! وهذا الإنسان الذي يبذخ ويسرف؛ تجد أنه لم ينفق في سبيل الله تعالى, ولم يتعاهد المساكين، والمعوزين، والمحتاجين, لم تحدثه نفسه أن يصل المجاهدين في سبيل الله في أفغانستان, أو فلسطين, أو إرتيريا, أو الفلبين, أو غيرها.
أولئك الذين يحمل الواحد منهم سيفه على عاتقه، أو يحمل بندقيته على عاتقه, وينام على الثرى، ويلتحف السماء، وربما لا يجد الواحد منهم كسرة خبز يسد بها جوعته, لا يلتفت إليهم, وهذا أيضا يؤكد أن الصيام لم يحقق غرضه وحكمته في مثل هؤلاء, لأن الصوم جوع، وبالجوع يتذكر الإنسان المحتاجين والجائعين، كما قال الأول: لعمري لقد عظني الجوع عظة فآليت ألا أمنع الدهر جائعاً فمن العادة أن الإنسان إذا مسه الجوع والعطش تذكر المساكين، والمحتاجين، والفقراء, فجادت نفسه بالبذل والعطاء, أما أن يوسع الإنسان على نفسه هذه التوسعة, ويبذخ هذا البذخ, ويسرف هذا الإسراف، في ألوان الطعام والشراب, ثم ينسى المساكين, والفقراء, والمحتاجين, والمجاهدين, فلا شك أن هذا يدل على أنه ما راعى الأمانة حق رعايتها.