الثالث: الاقتداء بالرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، فإنهم أصيبوا؛ بل هم أعظم الناس مصاباً، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا} [الأنعام:34] لقد أوذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وشج رأسه، وكسرت رباعيته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنتيه عليه الصلاة والسلام، وجرح قدمه حتى سال منها الدم، وأوذي وضرب بالحجارة، وأخرج من بلده، وأوذي في زوجته، ونسبت إليها قالة السوء، وأوذي في ولده وقيل له: أبتر، وقيل له: فقير، وطرد وأوذي وحبس وهدد عليه الصلاة والسلام، وجرت عليه مؤامرات بقتله أو حرمانه من السفر والخروج من مكة، أو إخراجه منها وطرده في الأرض، ومع ذلك كله صبر وصابر، حتى جعل الله تعالى له العاقبة، وحتى حكمه الله تعالى في هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس سادة وقادة، فقال عليه الصلاة والسلام: {ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال عليه الصلاة والسلام: اذهبوا فأنتم الطلقاء} .
نعم، الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام لقوا من الأذى ما لم يلقه أحد قط، وهذا دليل على أن الدنيا ليست مقياساً ولا ميزاناً، فإن الرسل هم أفضل الخلق على الله، ولو كانت الدنيا هي المقياس، لجعلهم الله تعالى في الدنيا أهلها وسادتها، فقد خير النبي صلى الله عليه وسلم بين الخلد في الدنيا والجنة أو الموت، فاختار ما عند الله عز وجل.