القرآن الكريم يتحدث عن هذه الطبقات

وقد ذكر الله عز وجل هذه الدوائر الثلاث: دائرة المسلمين، ثم دائرة الفرقة الناجية، ثم دائرة الطائفة المنصورة في القرآن الكريم، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] فهذه الآية إشارة إلى الدائرة الأولى وهي دائرة الإسلام التي يطالب بها كل إنسان، أن يكون مسلماً وأن يموت على الإسلام، ثم أشار إلى الدائرة الثانية، وهي لزوم الفرقة الناجية وترك الفرق المفترقة المخالفة لأهل السنة والجماعة، فقال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران:103] .

ثم أشار سبحانه إلى الدائرة الثالثة، وهي دائرة الطائفة المنصورة، فقال: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] .

وأنت لو تأملت سياق الآيات، وجدت أن الآيات الأولى والثانية أمر لجميع المسلمين: (اتَّقُوا اللَّهَ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ) منهج أهل السنة، لكن لما انتقل الحديث إلى الكلام عن الطائفة المنصورة القائمة بفروض الكفاية، صار مطالبة للجميع أن يكون منهم -أي: أن يكون بعضهم- فقال: (ولتكن منكم -أي من بينكم- أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) أي: هم الذين استولوا على جميع أنواع الفلاح، فهم المفلحون لأنهم مسلمون، وهم المفلحون لأنهم لزموا منهج الفرقة الناجية، وهم المفلحون لأنهم سلكوا سبيل الطائفة المنصورة.

أيها الإخوة إن وعي المسلم بهذه الدوائر يجعله يحرص دائماً على بلوغ الرتبة الأعلى، ويعلم أن المسلمين إذا قصروا في فروض الكفاية: من تعليم العلم الشرعي، من الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة البدع، أصبحوا جميعاً آثمين بهذا التقصير، وأصبحوا جميعاً مطالبين بهذه الفروض، وهذا يجعل كل مسلم حريصاً على تحقيق الإسلام، حريصاً على تحقيق معنى انتسابه للفرقة الناجية، حريصاً على أن يكون فرداً من أفراد هذه الطائفة المنصورة التي بشر النبي صلى الله عليه وسلم أنها لا تزال باقيةً إلى قيام الساعة.

أسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم، وأن يختم لي ولكم بالسعادة والشهادة، وأستغفر الله لي ولكم وأصلي وأسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015