وجود المتمسكين بالدين وقت الغربة

وحتى في هذه الأحاديث (أحاديث الغربة) فيها معنى مهم؛ وهو أنه مع وجود الغربة، ومع كثرتها ومع استحكامها، إلا أن الحديث أشار إلى وجود المتمسكين بالدين، الرافعين لرايته، المنافحين عنه، وهؤلاء يقومون بالدعوة والإصلاح، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: {فطوبى للغرباء} وفي بعض الروايات أنه وصف الغرباء {بأنهم النزاع من القبائل} وفي رواية أخرى وصف الغرباء بأنهم: {الذين يصلحون إذا فسد الناس} وفي رواية: {الذين يصلحون ما أفسد الناس} وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {هم قوم صالحون قليل في أهل سوء كثير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم} فقد ذكر عليه الصلاة والسلام أنه حتى في أزمنة الغربة، هناك دعاة مصلحون، يأمرون الناس بالبر، ويأمرون بالمعروف، فيطيعهم من يطيعهم، ويعصيهم من يعصيهم، وإن كان العصاة لهم أكثر من المطيعين.

والكثير من الناس لا يفقهون من معنى أحاديث الغربة إلا أن الإسلام سيعود غريباً، وأن هذا الأمر عذرٌ لهم في القعود، وعذر لهم في ترك العمل، وعذر لهم في ترك الجهاد، ولا يفقهون، ولا يطمعون؛ أن يكونوا من الغرباء من النزاع من القبائل من الذين يأمرون بالقسط من الناس، فيعصيهم من يعصيهم ويطيعهم من يطيعهم من الموعودين بطوبى: وهي الخير الكثير الطيب المبارك في الحياة الدنيا، بالتوفيق والتسديد والتصبير والتثبيت، وفي الآخرة بشجرة في الجنة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015