المروج والاختلاف في آخر الزمان

ومثله -أيضاً- الحديث الذي رواه أحمد وأهل السنن وغيرهم، وذكره البخاري عن عبد الله بن عمرو بن العاص؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {كيف أنت يا عبد الله إذا بقيت في حثالة من الناس قد مرجت عهودهم، وخفت أماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا، -وشبك النبي صلى الله عليه وسلم بين أصابعه- فقال: ما تأمرني يا رسول الله، قال: تأخذ ما تعرف وتدع ما تنكر، وتقبل على أمر خاصتك وتدع عوامهم} فهذا الحديث فيه: أن الناس قد يصيرون إلى هذا الأمر الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم حثالة من الناس، مثل الحثالة التي في آخر الإناء، قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا واضطربوا وتشابكوا، وكثر بهم القيل والقال، ولكن -أيضاً- نلاحظ في هذا الحديث أموراً: أولاً: أنه -مع ذلك- هناك بقية من أهل الخير والهدى يدعون إلى الأمر الأول وينهون عن الفساد في الأرض، ولمثل هؤلاء جاء التوجيه النبوي أن تقبل على خاصتك، وتذر العامة، وأن تأخذ ما تعرف، وتذر ما تنكر.

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أن هناك خاصة للمؤمنين وللدعاة، وهؤلاء الخاصة هم القريبون منهم الذين انتفعوا بعلمهم ودعوتهم وجهادهم، فهداهم الله تعالى وبصرهم وأرشدهم، فكانوا دعاة يقيمون الحجة على العالمين، وهؤلاء يجدون من الروح والسعادة والإيمان واليقين في قلوبهم، ما لا يجده حتى المجاهدون في ميادين المعارك -أحياناً- فإن الله تعالى ينزل عليهم من برد اليقين، ولذة العيش في الدنيا ما يعوضهم خيراً مما فقدوه من الناس، فهم وإن كانوا قلة في عددهم إلا أنهم كثرة في قوة إيمانهم وصبرهم ويقينهم وتعززهم بالإيمان، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015