والمسألة الثانية: ذم آخر الزمان لقد وردت أحاديث كثيرة في ذم آخر الزمان، وذم أهل ذلك الوقت، وهذه الأحاديث ليست موضوعنا الليلة، فهي تراجع في كتب الفتن والملاحم وأشراط الساعة وغيرها، وقد أكثر أهل العلم من ذكرها وتخريجها، ولعل من أبرز هذه الأحاديث -على سبيل المثال مما يناسب المقام- الحديث المشهور، الذي رواه مسلم وغيره {إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبا للغرباء} وهذا الحديث: أكد أن الأمر سيعود كما بدأ، غربة للإسلام مستحكمة، وقلة في الدعاة والعلماء، ولكن تلاحظ في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد متى يقع هذا، أو متى يكون زمان الغربة؟ هل هو في القرن الثالث أو الرابع أو الخامس أو العاشر أو العشرين، أو ما بعد ذلك؟! هذا أمر الله تعالى أعلم به، ولذلك فتطبيق هذا الحديث على واقعٍ بعينه زماناً أو مكاناً، مما هو موضع اجتهاد وتأمل، ولا يستطيع أحدٌ أن يجزم ويقطع بأن مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، اللهم إلا ما يتعلق بالأزمنة التي تكون قبيل الساعة حينما يبعث الله تعالى الريح الطيبة، فتقبض أرواح المؤمنين، ولا يبقى إلا شرار الناس، وحين يتهارجون تهارج الحمر، وعليهم تقوم الساعة، فإنه لا شك أن ذاك الزمان من الأزمنة التي استحكمت فيها غربة الإسلام بكل وجه.
كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يحدد في ذلك الحديث: هل يكون بعد الغربة الثانية تمكين للإسلام وعزٌ لأهله أم لا؟ وإن كان قوله: {وسيعود غريباً كما بدأ} يومئ ويوحي بأن الغربة الأخيرة التي تكلم عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، غربة لا عز بعدها للمسلمين.