أجاب على هذا السؤال فضيلة الشيخ سلمان بن فهد العودة حفظه الله:
Q ما هي وسائل التزكية؟
صلى الله عليه وسلم إن من وسائل التزكية: مجاهدة النفس في الداخل, وحرص الإنسان على استحضار النية في كل عمل يعمله بقدر الإمكان.
ومن الوسائل: حرص الإنسان على الاستتار بالأعمال التي يمكن الاستتار بها، فيحرص على أن تكون أعماله خفية عن أعين الناس, وألا يحرص على إظهارها.
ومن الوسائل: الإكثار من الأعمال الظاهرة، كالصلاة والصيام والصدقة وغيرها, لأن هذه الأعمال الظاهرة -كما ذكرت- لها تعلق وتأثير في القلب.
ومن الوسائل المفيدة والمهمة: كثرة الدعاء فإن الإنسان إذا دعا؛ انكسر قلبه لله تبارك وتعالى, ولذلك من أعظم أحوال العابدين حال الدعاء, لأن الإنسان قد يصلي وهو يشعر أحياناً والعياذ بالله، أو يغويه الشيطان فيجعله يشعر بأنه يدلي على الله بهذه العبادة, بأنه قد أتى إلى الصلاة، في حين أن غيره من الناس لا يأتي, لكن بطبيعة الحال إذا كان يدعو يشعر بالانكسار, ويشعر بالفقر والحاجة والضعف, وأنه يدعو الملك القوي القادر, الذي بيده مقاليد كل شيء.
فمن أرقى وأعظم أحوال العابدين حال الدعاء, والدعاء قد جرب في شفاء كثير من أمراض القلوب, ويبقى بعد هذا وذاك، أن الإنسان يجب أن يعلم أنه لن يصل إلى حال يرضى عليها من النية حتى يلقى ربه, حتى يموت, وهو يجاهد الشيطان في هذا المجال, ويوم يلقي المؤمن السلاح، ويرى أنه قد انتهى وجاهد الشيطان -كما تفضل الشيخ- فإنه حينئذ يكون قد حكم على نفسه بالهزيمة في هذه المعركة.
ولعلكم سمعتم جميعاً قصة الإمام أحمد رحمه الله، وهو المجاهد الذي سطر صفحات من الصبر في سبيل الله عز وجل, ومن التقوى والورع, والعبادة, إذا قرأتم سيرة هذا الإمام، تذكرتم سير أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وأحيلكم فيما يتعلق بترجمته على ما كتبه الإمام الحافظ الذهبي في تاريخ الإسلام, ونقله الشيخ أحمد شاكر في مقدمته لمسند الإمام أحمد, فقد ذكر ترجمة وقصصاً وأخباراً عجيبة لهذا الإمام.
الشاهد: أنه في مرض موته أغمي عليه، فكان يقول: بعدُ بعدُ فلما صحا من إغمائه, قيل له: يا إمام، إننا سمعناك تقول: بعدُ بعدُ، قال: إن الشيطان قد عرض لي يقول لي: فُتَّني يا أحيمد، نجوت يا أحيمد نجوت يا أحيمد , الشيطان في المرحلة الأخيرة -مثلما تفضل الشيخ- في تصوير المراحل، يريد أن يظفر من الإمام أحمد -على الأقل- في لحظة بسيطة من لحظات الإعجاب بالنفس, شعوره بأنه قد فات الشيطان ونجا، لكن الإمام أحمد لقوة إيمانه ومجاهدته للشيطان في طول حياته, نجاه الله في هذا الموقف فكان يقول: بعدُ بعدُ، أي: لا، ما نجوت ما دامت الروح في الجسد, وهذا مصداق قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [فصلت:30-31] قال بعض المفسرين: تتنزل عليهم الملائكة حال الاحتضار، ألاَّ تخافوا مما أمامكم, ولا تحزنوا على ما خلفتم وراءكم, وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
والحمد لله رب العالمين.