مجاهدة الشيطان

أجاب على هذا السؤال الشيخ سليمان حفظه الله

Q فضيلة الشيخ سليمان قد يكون الشخص في نيته قاصداً كل خير, لكن يرد عليه طرق من طرائق الشيطان فيصرف نيته في تلك الحالة, هل يعمل على مدار نيته والقصد منها أم يترك العمل في نفس الوقت، وإذا أعادها وسوس له وجعله ينشغل عن قصده فما هو السبيل؟

صلى الله عليه وسلم أرشد هذا السائل إلى ما حدثنا به الصادق المصدوق، فدائماً يحدث هذا الشيء, والشيطان -كما أشير في الحديث السابق- له المعارك الكثيرة, التي يريد أن يصرف الإنسان عن أي عمل يعمله وقد أخبر صلى الله عليه وسلم، عن حالة أناس استقرت النية في قلوبهم, وأصبحوا وهم جالسون في مجالسهم، يبلغون في جلوسهم مثل الذين يعملون ويكدحون ويسيرون, وقد أخبر بذلك صلى الله عليه وسلم بقوله في حديث طويل: {إن قوماً بالمدينة، ما سرتم مسيرة ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم حبسهم العذر} وهؤلاء فيمن حبسهم العذر لا شك أن هذا العذر عذر شرعي، يعذرون فيه, والله سبحانه وتعالى عالم لو أنهم انطلقوا من هذا العذر أو انفكوا من هذا العذر لصاروا وعملوا مثل ما عمل إخوانهم.

ولكن إذا كان الإنسان يعمل العمل, ويتجه بهذا العمل لله سبحانه وتعالى، ويسير ثلثي الطريق في هذا العمل, ثم في بقية الطريق يأتي الشيطان ويصده ويخالفه في هذا العمل, لا شك أن الإنسان من أول وهلة عليه أنه يجاهد ويراغم ويكيد عدوه، ولا يستسلم لعدوه من أول مرة, وينهزم في أول معركة مع عدوه, بل عليه أن يجاهد العدو, فهو بجهاده لهذا العدو الذي يريد أن يحبط هذا العمل هو مأجور من هذه الناحية، مأجور لمجاهدته لهذا العدو, فإن أكمل عمله، وتغلَّب على هذا العدو, فالحمد لله هذا خير على خير, وإن لم يكمل عمله ولكنه جاهد العدو وبذل جهده في مجاهدة العدو فالله سبحانه وتعالى يؤتيه ويجازيه على قدر هذا النصيب الذي بذله.

والقلب هو الملك، والأعمال هي التي تكون صورة طبيعية لما في القلب، فمدار الأعمال كلها على ما في القلب، والإنسان لا يتساهل أبداً في الأعمال الصالحة التي يعملها, ولا يقول: أخشى أن يصلني في هذا العمل خطر من الشيطان, أو مكيدة من الشيطان، يجب على الإنسان ألا يستسلم للعدو, فلو أن الإنسان أراد أن يتصدق بصدقة، فأدخل يده في جيبه وأراد أن يخرج الدراهم, بدا له في هذا الأمر أنه لا يتصدق على هذا الرجل, يقول له الشيطان: هذا الرجل غني، هذا الرجل فيه كذا وكذا, هذا الرجل لا يستحق، إلى آخر هذه الأشياء, فيترك الصدقة، هذا الإنسان استسلم لعدوه من أول معركة, لكن الإنسان إذا جاء الشيطان، وسول له بهذا الأمر، ثم جاهد الشيطان وأخرج هذه الدراهم, فهو يؤتى أجراً على هذه الصدقة, وعلى هذه المجاهدة المطلوبة, لذلك، والله سبحانه وتعالى يوفقني وإياكم في أن نرغم أنف الشيطان في هذا العمل، ونستمر في عملنا, ولا يتغلب علينا.

كيد الشيطان لأبينا آدم وأمنا حواء معروف، والله سبحانه وتعالى قد شرع التوبة بعد هذا الكيد, وشرع أن الإنسان يجاهد عدوه بعد هذا الكيد, وأعطانا الصورة والطريق، وما بقي علينا إلا أن نعمل وألاَّ نستسلم لعدونا, فهو والله لا يريد الخير لنا.

إلا أن الشيطان أحياناً يكون مثل الكلب -أعزكم الله- علاجه في هجرانه، وعدم الالتفات إليه، ولذلك فإن الإنسان إذا وسوس إليه الشيطان، فهجر هذه الوساوس واستمر في عمله, فإن الشيطان حينئذٍ يرجع مدحوراً ولا يعيد المحاولة, لكن إذا لاحظ أن الإنسان بعدما وضع الشيطان عنده هذا الشك في النية، ضعف حماسه للعمل أو ترك العمل؛ فإن الشيطان سيكرر المحاولة معه.

فأنصح الأخ السائل وغيره من الناس، أنه -كما أشار الشيخ- إذا أقدم على عمل وأصل النية عنده لله, فجاء الشيطان يحاول أن يشككه في هذه النية, ألاَّ يلتفت للشيطان أصلاً, وألاَّ يستقر في قلبه أصلاً إلا نية العمل الصالح, لا نية الرياء أو السمعة أو غير ذلك.

فإن الشيطان يكون رابحاً في الحالين, وإن استقرت نية الشر والرياء, فهذه مصيبة، وإن ترك الإنسان العمل الصالح, فهذا ما كان الشيطان يتمناه ويطلبه.

أستودعكم الله سبحانه وتعالى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015