هناك نظرةٌ هيمنت على كثيرٍ من الناس، وهي نظرة الشعور بأن الغرب باقٍ لا يزول، وأن حضارته حضارة خالدة، وأذكر أن مفكرين كباراً كانوا يفكرون بهذه الطريقة، ويعتقدون أن حركة التاريخ قد توقفت عند العالم الغربي الرأسمالي، وأنه لن تدور دورتها، وأن التاريخ لن يعيد نفسه، لكنه سوف يقر ويثبت عند هذا المستوى، والغريب أن هذه النظرة هي نفسها النظرة التي كانت موجودة عند الشيوعيين في روسيا، فكانوا يعتقدون أنهم هم المطاف والفردوس المنتظر وأن التاريخ ما زال يعمل فيه مبدأ النقيض، حتى وصل إلى الشيوعية، فاستقر قراره عند ذلك.
هذه النظرة الآن انتقلت إلى الغرب، فصار عندهم شعورٌ بالخلود والبقاء والأبدية، وكأن السنن الإلهية في نظرهم تعطلت، ليس غريباً أن يشغل الغرب هذا الشعور، أو ينظر هذه النظرة؛ لأنه مستكبرٌ قد عظم في عين نفسه، وتغطرس ورأى أنه قد ملك أزِمَّة الأمور، وانتهت إليه النوبة وأن الحال الذي يعيشه سرمدٌ لا يزول؛ لكن الغريب أن هذه النظرة انتقلت إلى عقول كثيرٍ من المسلمين، فصاروا ينظرون إلى هذا الواقع الذي يعيشونه الآن على أنه خالدٌ لا يزول.
وعلى أن هذا النظام الذي استقر الآن سيستمر ولا داعي لمقاومته، أو حتى للحديث عنه بأي شكلٍ أو بأي صورة، ونسوا في غمرة هذه النظرة التي أوحاها إليهم العالم الغربي ومن ورائه الإعلام في البلاد الإسلامية، الذي ظل يمجد ويتحدث حديث المبهور عن المنجزات الغربية، وعن العالم الرأسمالي، وعن ديمقراطيته وعن، وعن، من إنجازاته وحضارته، وظلوا يحشون عقولهم، ويتقبلون مثل هذه الأفكار، ونسوا في غمرة ذلك القوانين والسنن والنواميس الإلهية الصريحة في أن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، فالله عز وجل يقول: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] .