Q كلنا يحب نصر الدين وبوده أن يعمل شيئاً ينصر به دين الله تعالى.
ما دورنا وماذا نفعل؟!
صلى الله عليه وسلم في الواقع!: إن الذي لا يحب نصرة الدين هذا ليس بمؤمن, ولذلك قال بعض أهل العلم عندما ذكروا الأدلة أو صفات المنافق نفاقاً اعتقادياً: أنه يفرح بانخفاض دين الرسول ويسر ويحزن لارتفاعه وانتصاره.
إذاً: قضية أصلية في الإسلام، في الإيمان، في العقيدة؛ أن تكون ممن يتمنى نصرة الدين.
أما ماذا تفعل؟ فأنا أريد أن أقف معك عند بعض الوقفات اليسيرة, يقول الله عز وجل في ذكر يوم القيامة: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:33-37] .
إذاً: يوم القيامة كل إنسان له شأن يغنيه عن غيره، يلهو الرجل عن أمه وعن أبيه وزوجته وأخيه وقريبه وعن حبيبه، له شأنه يغنيه.
وكذلك الحال في الدنيا! فكل إنسان عليه واجب لا يقوم به غيره, فالأب عليه واجب لا يقوم به الولد؛ واجب التربية والتعليم والرعاية, والولد عليه واجب لا يقوم به الأب، وهو واجب البر والصلة والإحسان, والزوج عليه واجب لا تقوم به الزوجة والعكس, والحاكم عليه واجب لا يقوم به المحكوم, والمحكوم عليه واجب لا يقوم به الحاكم, فكل إنسان عليه دور يجب أن يقوم به, هذا أولاً.
ثانياً: المسلمون الأوائل كان الواحد منهم يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وهو مستخفٍ تجرأ عليه قومه فلا يستطيع أن يصلي أحياناً إلا سراً, ومع ذلك يأتي الرجل من البادية فيجلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم، ربما ساعة أو نصف ساعة مجلساً أو مجلسين يسمع آيات معدودات قد لا تتجاوز الخمس أو العشر، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ويخرج من مكة مستخفياً إلى قبيلته، وهناك يتحول إلى داعية من طراز فريد, فلم يتحول من الكفر إلى الإسلام فقط، لا؛ بل تحول من كافر محارب إلى داعية مجاهد مناضل في سبيل الله تعالى.
الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه من قبيلة دوس، يأتي إلى قريش فلا يزالون به حتى وضع في أذنيه القطن, لئلا يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم, قالوا له: هذا يفتنك عن دينك, فلما وصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله إني رجل لبيب عاقل, انتقد نفسه في هذا التصرف أتعير عقلك غيرك وتقلد في هذه القضية الخطيرة؟! لا, فأزال القطن، وقال: أسمع من محمد عليه الصلاة والسلام، فإن كان ما قال حقاً قبلت, وإن كان باطلاً رددت, وأنا رجل أعرف الشعر من غيره وأعرف الهجر والرجز والقصيد والنظم والنثر.
المهم: أنه استمع من الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى حقاً لا يقبل الجدل في الوجه مباشرة, فآمن وأسلم ودخل الإيمان قلبه.
ماذا صنع الطفيل بن عمرو الدوسي؟! إنه ما جلس مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلا ربما جلسة واحدة, فرجع إلى قومه، فأقبلت إليه زوجته، فقال: إليك عني! فلست منك ولست مني! فتقول: ولم بأبي أنت وأمي؟ قال: فرق الإسلام بيني وبينك أنا مسلم وأنت كافرة, قالت: ديني دينك! قال: إذاً اذهبي واغتسلي, فجاءه أبوه وجاءته أمه، فقال لهما مثل ما قال لزوجه، وجاءه قومه -وله عندهم مكان- فقال: اذهبوا لست منكم ولستم مني, قالوا: ولم؟ قال: أنا مسلم وأنتم كفار, قالوا: ديننا دينك , فأسلموا عن آخرهم!! فما كان هناك أحد أكثر بركة على قومه من هذا الرجل, تحول إلى داعية من طراز فريد خلال جلسة واحدة.
بل الأعجب من ذلك: الجن الذين حكى الله عنهم: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ} [الأحقاف:29] فلما منعوا من استراق الوحي من السماء، قالوا: هناك أمر قد حدث، فتفرقوا في البلاد ينظرون ماذا حدث؟ جاء مجموعة أو دورية من دورياتهم جاءت ووجدت الرسول عليه الصلاة والسلام في بطن نخلة يصلي الفجر ويقرأ القرآن, قالوا: أنصتوا, فلما سمعوا القرآن وجدوا شيئاً لذيذاً {فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا} [الأحقاف:29] جلسة واحدة يا أخي الكريم! فقط وسمعوا من الآيات آيات محدودة, أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة الفجر ما بين الستين إلى المائة، ولنفترض أنهم أدركوا الصلاة من أولها وسمعوا مائة آية -هذا إن كانوا سمعوا مائة آية- بعد ذلك لما قضي، قال تعالى عنهم: {فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] لاحظ لم يقل: مسلمين، ولا قال: مؤمنين, أي: تحولوا من كفار إلى مسلمين بل إلى دعاة مباشرة بدون حواجز ولا واسطة {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف:29] (ولوا) أي: مسرعين, يركضون, وليس في قلوبهم إلا الإنذار، نسوا كل شيء، حتى الموضوع الذي جاءوا من أجله نسوه، فكل همهم الآن هو قضية الدعوة: {قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:30-32] إلى آخر الآيات.
فهؤلاء القوم صاروا متحمسين صاروا غيورين تشتعل في قلوبهم نار الغيرة على الدين, والغيرة على قومهم أن يموتوا على الكفر, فينادونهم بهذا الشكل.
لكن أنا وأنت كم ختمنا القرآن من مرة؟! كم سمعناه في رمضان وغير رمضان؟! كم حضرنا من مجلس؟! كم سمعنا من خطبة؟! كم قرأنا من كتاب؟! كم سمعنا من شريط؟! ومع ذلك تجد أغلب المسلمين؛ بل كثيراً حتى من رواد المساجد تجده سلبياً يقول: لا شأن لي ولا دخل لي ولا علاقة, إنما نلقي المسئولية على الآخرين, ونوزع المسئوليات, هذه مسئولية العالم وهذه مسئولية الحاكم، وهذه مسئولية قاضي البلد وهذه مسئولية فلان!! إذاً أين أنا وأنت؟ أصرنا خارج الدائرة؟ أين قوله تعالى: {وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:95] ؟ أين قوله تعالى: {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:37] ؟! يجب أن يكون كل واحد منا داعية وطالب علم, وألا نكتفي بإلقاء المسئولية على فلان, أو علان من الناس, وإن كان عالماً جليلاً, ولو كان في منزلة أبي بكر رضي الله عنه -ولا يكون أحد في منزلة أبي بكر من بعده رضي الله عنه؛ لأنه لو وزن إيمانه بإيمان الأمة لرجح بهم- ولكن مع ذلك في عهد أبي بكر ما كان واحد من الصحابة يقول: قد كفينا بـ أبي بكر ولا يصنع شيئاً, بل كان كل صحابي يقوم بدوره في الدعوة وفي الجهاد وفي الأمر بالمعروف في النهي عن المنكر، وفي الإصلاح بقدر ما يستطيع، وهذا هو الأمر الذي ننتظره منك يا أخي الكريم! أدِّ الدور الذي تستطيع في بيتك، أو في الفصل الذي تدرس أو تدرس, أو في المدرسة، أو المسجد, أو الحي أو الأسرة والعائلة, بأي وسيلة، ولا شك أن الإنسان الجاد يعرف كيف يخدم دينه، والعرب يقولون: الحاجة أم الاختراع.