ومع هذا كله -مع المقارنة بالدار الآخرة، ومع المقارنة بالملائكة عند الله عز وجل، ومع المقارنة بالماضي كله وبالمستقبل كله -فإنه حتى هذا البرزخ المظلم الذي عاش المسلمون فيه زماناً من التخلف في جميع مجالات الحياة: التخلف الديني عن دينهم وشريعة ربهم, وتبع ذلك التخلف العلمي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الصناعي، والتخلف العسكري، والتخلف الإعلامي، وكل صور التخلف التي هي أثر -أصلاً- عن تخلفهم عن الموقع الشرعي الذي أراد الله تعالى شرعاً أن يكونوا فيه؛ حتى هذا البرزخ المظلم لا يخلو من ومضات وإشراقات تصدق ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: {لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله} .
فمثلاً: في هذا البرزخ المظلم منذ عشرات السنين الحركات الدعوية التي قامت في كل مكان تدعو إلى الله عز وجل, وتبصر الناس بأمر ربهم, وسنة نبيهم عليه الصلاة والسلام, وآتت ثماراً حسنة في كل قارة؛ بل في كل بلد إسلامي, في الدعوة إلى الله وتربية الشباب على الإسلام, وعلى الدين وعلى الهدى، وحماية الشباب من لوثات الإلحاد والمادية والتشكيك، وحمايتهم -أيضاً- من الشهوات التي حاول الغرب بحضارته المادية أن يغرقهم فيها, هذه الدعوات هي إشراقات وإضاءات.
لا يخلو الواقع من حركات جهادية، ترفع السلاح في وجه الباطل في أكثر من بلد إسلامي, ليس أفغانستان هي المثال الوحيد، وإن كانت من أبرز الأمثلة وأوضحها, وفيها حركة جهادية طالت، ونرجو أن تثمر -بإذن الله تعالى- ما يتمناه كل مسلم من نصر مبين للمجاهدين, ليست هي المثال الوحيد؛ بل هناك أمثلة كثيرة في إرتيريا وفي الفلبين وفي فلسطين وفي عدد من بقاع العالم الإسلامي؛ بل إن الحركات التي طردت المستعمر من بلاد المغرب والشام وغيرها هي حركات جهادية كان يقوم عليها علماء أفاضل كالشيخ عبد الحميد بن باديس -مثلاً- وعز الدين القسام، وأمثالهم من الأبطال العلماء المشايخ، الذين طاردوا فلول الاستعمار حتى أجلوه عن تلك الديار.