الميزة الثالثة هي: أن هذه الصحوة سلمت مما وقعت فيه التوجهات الإسلامية في كثير من البلاد مما يسمونه (بالتطرف) وأريد أن أنبه إلى أن التطرف اسم يطلق ويراد به أكثر من معنى فكثير من الناس اليوم ممن يصطادون في الماء العكر، ويحاولون أن يشوهوا وجه الإسلام يرمون الإسلام بالتطرف، فإذا وجدوا إنساناً متمسكاً بالإسلام حقيقة وسموه بالتطرف، فمن يقصر ثوبه -مثلاً- فهو في مقياسهم متطرف، ومن يعفي لحيته فهو في مقياسهم متطرف، ومن يستعمل السواك فهو في مقياسهم متطرف، ومن يحرص على الالتزام بالسنن الإسلامية فهو في مقياسهم ومعيارهم متطرف، وهؤلاء لا عبرة بهم، فهم ممن يسمون الأمور بغير أسمائها الشرعية، وهؤلاء على النقيض قد يسمون الهوى المحرم حباً وغراماً، وقد يسمون الخمر مشروبات روحية.
فالأسماء عندهم والمقاييس مختلة فلا عبرة بهم وإنما أعني بالتطرف: أن يأخذ الإنسان طرفاً بعيداً عن الاعتدال في الإسلام، وهو ما يعرف في الاصطلاح الإسلامي الصحيح بالغلو، والغلو وجد في أكثر من بلد إسلامي، ولنسأل: ما هو السر في هذا الغلو الذي وجد، والذي ربما سلك مسالك العنف في تغيير الواقع المخالف للإسلام؟ لو تأملنا سبب ظهور هذا التطرف في البلاد الإسلامية، لوجدنا أنه يعود: أولاً: إلى لجهل بالإسلام، والمسئول عن الجهل بالإسلام في تلك البلاد هي المؤسسات التعليمية من وسائل إعلامهم، ومدارسهم، وجامعاتهم التي تنكرت للعلم الشرعي، وأصبحت تدرس سائر العلوم إلا الإسلام، فصار الشاب حين يعرف الإسلام؛ يجد أن الجو من حوله لا يعلمه الدين ولا يعرف الشاب من أمور الإسلام إلا أقل القليل.
أما في بلادنا والحمد لله فإن الشاب -كما أشرت- يجد العلم الإسلامي الصحيح في المساجد، والمدارس، والجامعات، وفي وسائل كثيرة، ولذلك فإن كل إنسان يجد أن من السهل عليه أن يتبصر بدينه، ويعرف الطريق الصحيح فيسلم بذلك من التوجه نحو التطرف والانحراف.
السبب الثاني الذي جعل بعض البلاد الإسلامية تشهد حركة من حركات التطرف هو: أن كثيراً من الشباب المسلم في تلك البلاد إذا أرادوا أن يدعوا إلى الله عز وجل، أو يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، أو يقوموا بما يجب عليهم ديناً وشرعاً وجدوا أن القنوات والطرق أمامهم مسدودة، ووجدوا أنه في الوقت الذي يمرح ويسرح فيه العلمانيون والشيوعيون وغيرهم من حملة المبادئ الأرضية، والأفكار الهدامة، ويلعبون بشباب هذه الأمة وبناتها، وجدوا أن الطريق أمامهم مسدود، والقنوات الشرعية مغلقة، ففكروا أنه لا بد أن يبحثوا عن طريق، وحينئذٍ السيل إذا أغلقت أمامه الأبواب، فإنه يتجه نحو العمران فيهدمه، أي: إذا أغلق أمام السيل الطريق الذي يمكن أن يكون نافعاً للري والزراعة وغيرها، فإنه يتجه نحو العمران فيهدمه ويغرق كل ما فيه بما في ذلك الناس.
وكذلك هذا التوجه الإسلامي الذي وجد في أكثر من بلد؛ لما وجد أن الطرق الشرعية أمامه مغلقة، اتجه نحو الطرق الأخرى غير الشرعية، أما في هذه البلاد فإن الدعاة إلى الله عز وجل، والعلماء، والمشايخ، وطلاب العلم لا يزالون بحمد الله يجدون أمامهم وسائل كثيرة للدعوة إلى الله عز وجل، ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولهذا وذاك فإن هذه البلاد وهذه الصحوة الإسلامية سلمت من هذا التطرف الذي وقعت فيه بعض الفئات من الشباب المسلم في بلاد أخرى، وهذه نعمة كبرى.
ولذلك فإنني أقول: إن الصحوة الإسلامية في هذا البلد خلت وسلمت من هذا الغلو بفضل الله تعالى ثم بفضل ما يتمتع به هذا المجتمع من وسائل وإمكانيات للدعوة إلى الله بالطريقة الشرعية الممكنة.