ولذلك اختصها بأحكام ليست لغيرها، روى البخاري ومسلم عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب} وهذه الكلمة هي من الوصايا الخالدة التي رددها النبي عليه الصلاة والسلام وهو على فراش الموت، أوصاهم بثلاث منها: {أخرجوا المشركين من جزيرة العرب} .
وفي الحديث الآخر عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لا يجتمع في جزيرة العرب دينان} والحديث رواه مالك وأحمد.
وعن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب} والحديث رواه مسلم، إذاً نحن أمام نصوص تحرم على غير المسلمين البقاء والسكنى في هذه الجزيرة، سواء كانوا مشركين، أم يهوداً، أم نصارى، وتجعل السكنى في هذه الجزيرة الطيبة المباركة وقفاً على من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
فأما من لم يشهد بالشهادة الحق؛ فإنه يحرم عليه البقاء في هذه الجزيرة، ويحرم علينا نحن المسلمين أن نمكنه من البقاء والسكنى في هذه الجزيرة، فلا يجوز أن يوجد فيها إلا كيان واحد، وهو: كيان الإسلام.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم: أنه لا يزال في هذه الجزيرة أمة تدعو إلى الحق، وتؤمن به، وتنافح عنه، حتى قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه: {إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن بالتحريش بينهم} .
وهذه خصيصة كبرى؛ أن المؤمنين الموحدين الذين يترددون على المساجد، ويعفرون جباههم لله تعالى، قد يئس منهم الشيطان أن يعبدوه في هذه الجزيرة، ورضي منهم بما دون ذلك وهو التحريش فيما بينهم.
وبين صلى الله عليه وسلم أنه حين تضيق الدنيا بالإسلام ويحارب في مشارق الأرض ومغاربها فإنه يأوي إلى هذه الجزيرة، كما أوى الرسل السابقون إليها بعد أن اضطهدوا فقال عليه الصلاة والسلام: {إن الدين يأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها} جاء هذا في صحيح مسلم من حديث ابن عمر ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما، وهو مقيد في أحد الحديثين في حال الغربة: {بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً، وإنه ليأرز بين المسجدين} .
إذاً: حين يضطهد الإسلام في فجاج الدنيا كلها؛ فإنه يجد متنفسه في هذه الجزيرة.
هذه القضايا الشرعية الثابتة تاريخاً والثابتة شرعاً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ يجب أن نقف عندها في هذه الجلسة القصيرة وقفات سريعة.