عدم الضيق والحساسية بسبب الخلاف

أيها الإخوة: إنه لابد من تطبيع الخلاف في مثل هذه الأمور بحيث لا يكون عندنا حساسية تجاه هذا الخلاف، المشكلة أحياناً أن الناس يضيقون ذرعاً من خلاف لابد منه، وأذكر أنه حتى بعض صحفنا كانت تعقد مقابلات وحوارات وتجعلها قضايا، العالم الفلاني يفتي بشيء والعالم الآخر يفتي بشيءٍ آخر، وهذا يقلق قلوب الناس، ليس الحل أن لا يختلف العلماء، سيختلف العلماء شئتم أم أبيتم، لكن الحل هو أن نوعي الناس بالأسلوب الصحيح في معالجة الخلاف، وفي مواجهته، فيما يمكن أن نسميه فقه الخلاف سواء أكان خلافاً في فروع، أم خلافاً في الوسائل، أم خلافاً في معالجة القضايا الاجتهادية إلى غير ذلك.

وكذلك لابد أن ندرك أن هذا الخلاف لابد أن لا يؤدي إلى التناحر والتباغض وتناقض الجهود وتسليط الأعداء، لأن كون كل مخالفٍ يجعل همه الأكبر هو أن ينتقد مخالفه ويرد عليه ويبين خطأه؛ هذا من شأنه أن يجعل المسلمين والصالحين مشغولين بعضهم ببعض ويعطي الفرصة للأعداء.

ومن المؤسف فعلاً أنك تجد أحياناً الداعية الغيور الحريص على الكتاب والسنة تجده مشغولاً بإخوانه من الدعاة والعلماء، في تخطئتهم في أمور معينة، أو بيان أن ما رجحوه غير راجح وهي قضايا مهما كانت فهي جزئية، ومع ذلك تجده مشغولاً عن الصوفية، والباطنية، والإباحية، والعلمانية، والحداثة وغيرها من المذاهب التي تنخر في الأمة، مشغولاً عن الفساد الخلقي الذي يعيه في قلوب الناس وفي واقعهم، مشغولاً عن الجهل بالدين الذي أصبح معششاً في كثير من المجتمعات.

والله إن من المؤسف أيها الإخوة أنك تجد الدعاة مشغولين بعضهم ببعض والمجتمع لا علاقة لنا به، المجتمع سلَّم للصوفية، والمنحرفين، والضالين والمفسدين.

حتى لو كنت تعتقد أن ما تقوم به تجاه إخوانك من العلماء والدعاة والمصلحين واجب، فالنزول للمجتمع والإصلاح فيه أوجب منه، فإذا قمت بالواجبين معاً فإن الله يقويك، لكن أن تترك الواجب الأعظم المتفق على وجوبه وضرورته وخطورته مشتغلاً بمن تعرف، قد يقول قائل: ما هو السبب؟ في نظري أن السبب هو وجود نوع من العزلة عن الواقع، لأن الإنسان دائماً يقبل على الأشياء المهمة بحسب ما يعرف، فلأنه يقضي حياته بين إخوانه من الدعاة والعلماء ويسمع ما يدور في أوساطهم صار مهماً عنده أن يخطئ الخطأ عندهم، لكن ما يجري في المجتمع هو مشغولٌ عنه، وربما لا يدري به، وإن علم فليس أمراً ملحاً عنده يطرق أذنه صباح مساء ليل نهار، ولذلك لم يعطه الاهتمام الكافي، وهذا لا شك نقيض الحكمة التي أمر الله تعالى بها، الحكمة هي وضع الأمور في مواضعها.

مسألة الخلاف من القضايا الخطيرة ولا أعتقد أنني قلت فيها شيئاً، ولكن نسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الكلمة بداية خير، وأن يجمع أمر المسلمين على كلمة سواء، وأن يوحد صفوفهم، ويصلح ذات بينهم، ويهديهم سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور إنه على كل شيءٍ قدير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015