ومع ذلك فإن المنصرين يدركون أنه لابد لكل ليلٍ من نهار، وهذه الأيام يداولها الله تعالى بين الناس، وكيف يدب اليأس إلى قلوب المسلمين وهم يسمعون رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه أبو داود وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه وغيره بسندٍ حسن: {إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} فيؤكد عليه الصلاة والسلام أن التجديد شريعة إلهية وسنة ربانية لا يمكن أن تتخلف بحالٍ من الأحوال، وبعد كل قرن يكتب الله لهذه الأمة تجديداً، ولا يعني أن يغير من الدين شيئاً فإنه إذا غير كان هدماً له ولم يكن تجديداً، وإنما يعني أن يجدد فَهْمَ الناس للدين وتمسكهم به والتزامهم به، فيكونون أقرب إلى الالتزام بالكتاب والسنة، وهذا التجديد الذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم هو تجديد شامل لكل مجالات الحياة بدون استثناء، أي تجديد في جميع المجالات الدينية والشرعية، علمية كانت أو عملية.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: {يبعث الله لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها} و (من) كما هو معروف تطلق على المفرد وعلى الجمع، ولذلك فإن المجدد لهذا الدين ليس بالضروري أن يكون فرداً يشار إليه بالبنان، كما قال الإمام السيوطي في منظومته: يشار بالعلم إلى مقامه وينصر السنة في كلامه وأن يكون حاوياً لكل فن وأن يبز علمه أهل الزمن من الممكن أن يقوم بهذه المهمة الجليلة أمة من العلماء والدعاة والمصلحين والمجددين، ولئن جاز أن يقول بعض أهل العلم: إن المجدد في القرن الأول مثلاً فرد هو عمر بن عبد العزيز وأن المجدد في القرن الثاني فرد واحد كما قال بعضهم أنه الإمام الشافعي، لئن جاز أن يقال في مجدد القرن الأول مثلاً أنه عمر بن عبد العزيز فإن ذلك أبعد فيمن جاء من بعده، فإنه لا يكاد يوجد إنسان جمع القرآن والسلطان، أي: جمع العلم والسلطة بحيث استطاع أن يجدد الدين علماً وعملاً وتطبيقاً في حياة الناس، ونظراً لأن الأمة الإسلامية قد انتشرت وتوسعت ودخل في الإسلام أمم وشعوب بأكملها، ونظراً أيضاً لأن الشر قد كثر وفشا وانتشر، وأعداء الإسلام استطاعوا أن يصلوا إلى بعض مآربهم في إدخال الشهوات والشبهات على الأمة الإسلامية، ونظراً أيضاً لأنه كلما تقدم الزمن قل جودة النوعيات التي تقوم بالمهمة، فنحن نقطع أنه لا يمكن أن يوجد جيل مثل جيل الصحابة رضي الله عنهم أو كجيل التابعين، وهيهات أن يوجد حتى أفراد في الأمة يكونون بمنزلة بعض رجالات الإسلام المعروفين من كبار الصحابة أو من الصحابة والتابعين وغيرهم، فحتى نوعية الأفراد الذين يقومون بمهمة التجديد تقل، والمجالات التي يحتاج فيها إلى التجديد تكثر وتتسع، ولذلك فإن من المنطق أن يكون القائم بمهمة التجديد لهذه الأمة خاصةً في العصور المتأخرة أن تكون طائفة من الناس ما بين فقيهٍ ومحدثٍ وداعية ومصلح ومجاهد إلى غير ذلك من ألوان وأنواع الخير التي تحتاجها الأمة الإسلامية في كافة مجالاتها، ولذلك كان العلماء حتى منذ قرون يقولون مثلاً: مجدد القرن الفلاني في الفقه فلان، وفي الحديث فلان، وفي العقيدة فلان، وفي التفسير فلان، فيذكرون أفراداً كل فردٍ يعتبرونه مجدداً لنوع من أنواع العلم أو العمل.