إن هذه الآيات بقوتها وشدتها ووضوحها، تقول لكل إنسان: لا تأخذ قضية الجزاء والبعث والحساب مأخذ التهاون والتساهل والتفريط، أعط القضية حقها من الاهتمام، ووجه قلبك، وفكرك، وعقلك إليها، وتأمل في أدلتها وحينئذٍ ستصل إلى النتيجة الصحيحة، لأنه لا أحد يُقبل على طلب الهداية، والبحث عن الحق، بتجرد وصدق وإخلاص، إلا وفقه الله سبحانه وتعالى لإدراك الهداية وتحصيلها، والدليل على ذلك قصة جبير بن مطعم، وأيضاً من القرآن قول الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] فهذه الآية نص في أن من يطلب الهداية، ويجاهد في طلب الهداية، فإن الله تعالى يهديه سبلها، ويوفقه إليها، وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] وأيضا قوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] إلى غير ذلك من الآيات.
إذاً: هذا القسم بهذه الأشياء العظيمة الكبيرة، وبصيغة الجمع، من الله جل وعلا، يحدث عند كل إنسان تأثيراً قوياً، فأما المؤمن فتأثير القسم عليه هو شدة الاعتناء والحفاوة بالأمر المقسم عليه، وشعوره بأنه موضوع خطير، وأن ربنا جلَّ وعلا ما ذكره هكذا، وإنما ذكره في سياق القسم عليه، والتأكيد على معناه.
وأما غير المؤمن، فحتى لو لم يؤمن بهذا الشيء بمجرد القسم، إلا أن هذا يعطيه تأكيداً للموضوع، ويقول له: إن هذا الموضوع في غاية الأهمية، ويجب أن توجه قلبك، وعقلك، وهمك، إلى التفكير فيه، والبحث عن وجه الصواب، وتحري الحق، والمؤمن يعلم أن لا أحد يتحرى الحق، ويبحث عن الصواب بتجرد إلا اهتدى إليه، لأن هذا وعد من الله تعالى: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69] {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ} [سبأ:46] فيقسم الله تعالى بهذه الأشياء على هذا الموضوع الجليل الخطير، {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:5-6] الدين هو الجزاء والحساب، فمعنى الآية: إن مجازاة الناس بأعمالهم يوم القيامة أمر واقع لا شك فيه.