{وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً * إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ * إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ * يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ * قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ * يَسْأَلونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ * ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ * إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ * وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} [الذارايات:1-23] الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
هذه السورة العظيمة، سورة الذاريات، وهي مكية، وموضوعها هو موضوع الآيات المكية غالباً، تقرير العقيدة، وترسيخها في القلوب، وكشف أدلتها، والرد على المخالفين، وقد افتتح الله تعالى هذه السورة بهذا القسم العظيم {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً * فَالْحَامِلاتِ وِقْراً * فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً * فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً} [الذاريات:1-4] فأقسم بهذه الأشياء الأربعة، الرياح: وهي الذاريات، والسفن: وهي الجاريات، والسحاب: وهي الحاملات، والمقسمات: وهي الملائكة، وأقسم بها بصيغة الجمع ليكون أفخم وأوقع في النفس {إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} [الذاريات:5-6] فهذا هو موضوع القسم، وهذه هي الوقفة الأولى.
أما المسلم فلأنه يُعظِّم الله تعالى، فإن الأمر عنده أصلاً لا يحتاج إلى أكثر من أن يأمر الله بشيء فيفعله، أو ينهي عن شيء فيجتنبه، أو يقرر الله تعالى شيئاً فيؤمن به، فإذا جاءه هذا القسم من الله بهذه الأشياء العظيمة، وبصيغة الجمع، كان هذا سبباً في شدة اهتمامه، وتوجه قلبه، إلى هذا الموضوع المقسم عليه، أما غير المؤمن، فإن هذا القسم أيضاً سيحدث عنده شيئاً كبيراً.