ولذلك أقول -أيها الإخوة-: من الأشياء التي أراها وأظنها، وسبق أن ذكرتها في محاضرة لي بعنوان: (الإسلام قدر الله في هذه الجزيرة) إن كل فتنة تنزل بالمسلمين، إذا أراد الله عز وجل لهذه الفتنة أن تنتهي وتنقمع وتنمحي، أوصلها إلى الجزيرة العربية، فكأن الجزيرة العربية هي الصخرة التي تتحطم عليها الفتن كلها.
مثلاً: أعظم فتنة وهي المسيح الدجال، ما جاء في التاريخ قبله ولا بعده فتنة أعظم منه، ما من نبي إلا أنذر قومه منه، أكثر النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه من ذكر المسيح الدجال، حتى خشي عليهم ألا يفقهوا.
من ضمن ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن المسيح الدجال، أن مكة والمدينة على أنقابها ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدجال.
فإذا جاء الدجال إلى المدينة المنورة، وهي جزء من هذه الجزيرة، جلس الدجال في بعض السباخ المحيطة بالمدينة، فتزلزلت المدينة، وخرج منها كل منافق ومنافقة، هذه بداية النهاية بالنسبة لهذا الخبيث المسيح الدجال، كيف؟ يخرج إليه رجل من أهل المدينة، هو أعظم الناس شهادة عند رب العالمين، وحديثه في صحيح البخاري، فيأتي إليه ويردونه المسالحة، الجنود والحراس يردونه فيقول: أريد أن أذهب.
فيقول: دعوه.
فيتركونه يأتي إليه، فإذا وقف أمامه، قال: أشهد أنك الدجال، الذي أخبرنا عنه النبي صلى الله عليه وسلم.
فيمسك به ويقول: أيها الناس! إذا قتلت هذا الإنسان، تشهدون أنني أنا الله.
فيقولون: نعم.
فيقطعه قطعتين ويمشي بين قطعتيه، ثم يقول له: قم.
فيستوي قائماً حياً بشراً بإذن الله عز وجل فيقول: أتشهد أني أنا الله؟ فيقول له هذا الشاب المؤمن: والله ما ازددت فيك إلا بصيرة.
الآن ازددت يقيناً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرنا أن القصة هذه تقع، فلما وقعت القصة، ازددت يقيناً أنك أنت الدجال، الذي أخبرنا عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه، يضع الله عز وجل على رقبته شيئاً من النحاس، فلا يستطيع أن يقتله، فينطلق منه هذا الشاب.
وهذه بداية النهاية بالنسبة للدجال.
بعدها ينهار أمره، ويخرج يجر أذيال الخيبة من المدينة، لأنه يعرف القضية، يخرج إلى الشام، وحينئذٍ جنوده يضمحلون شيئاً فشيئاً، وينزل بعد ذلك عيسى بن مريم، فيقتله بباب لد.
المقصود أن نهاية الدجال كأعظم فتنة في التاريخ، كانت في هذه الجزيرة.
وكذلك أظن إن شاء الله، أن كل فتنة تمر بالمسلمين سواء كانت فتنة فكرية مثل فتنة الشيوعية، أو فتنة الحداثة، أو العلمانيين، أو القومية، أو البعثية، كل فتنة إذا أراد الله عز وجل لها أن تنتهي وتنمحي من الوجود، كانت هناك أسباب تحاول هذه الفتن من خلالها أن تصل إلى جزيرة العرب، فيقطع الله -تعالى- دابرها، وينهكها، ويحمي بلاده وأرضه وأهله والله على كل شيء قدير.
وهذه قاعدة طبقوها على أشياء كثيرة، وإن شاء الله ما تخلفكم هذه القاعدة، ممكن نطبق هذه القاعدة على البعثية -مثلاً- كقضية واقعية الآن، فنقول: إن ما يجري الآن، يدل إن شاء الله على نهاية البعث كحزب ونظام ومذهب ودين يدان به، وأن أمره إلى زوال وانتهاء.
طبق هذا على الأفكار المادية المنحرفة، العلمانية، القومية، الحداثة، تجد أن هذه القاعدة -إن شاء الله- سارية المفعول بإذن الله عز وجل فإذاً أقول: لا حيلة، فالحداثيون، والعلمانيون، واليساريون، وسائر أعداء الدين، ليس لهم مكان في هذه الجزيرة، فليبحثوا عن موطن آخر، أو ليبشروا بالخيبة والخسران، أو ليتوبوا إلى الله عز وجل، فإن العبد إذا تاب إلى الله -تعالى- تاب الله عليه.
من خصائص الجزيرة العربية: أن فيها الحرمين الشريفين، وهما أفضل بقاع الأرض على الإطلاق، ولهما من المزية ما ليس لغيرهما -كما هو معروف- والكلام في فضائلهما يطول.
راجع مثلاً صحيح البخاري وصحيح مسلم في فضل مكة والمدينة.