الدليل الثاني: الرؤيا الصالحة

الدليل الثاني: الرؤيا الصالحة وهي كثير، وأكثر ما تقع في آخر الزمان، وإذا تقارب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب، ولذلك تجدون كثيراً من الصالحين، رأوا مرائي كثيرة في مثل هذه الأوقات، وقد حدثني قريب لي البارحة قال لي: مات فلان قريبي فقلت: سبحان الله! ما علمت بذلك.

قال: مات منذ ما يزيد على شهرين، وفي مرض موته يقول: إنه أفاق من غيبوبة ألمت به، فقال لأحد إخوانه: لقد رأيت دخاناً أقبل على المسلمين من قبل العراق، وأخشى أن ينزل بالمسلمين فتنة، وذكر بقية الرؤيا.

المهم أن الناس كثيراً ما يشاهدون الرؤيا الصالحة، ويستقرئون من خلالها بعض ما كتب الله تعالى، من ذلك: الفراسة.

وحديث {اتقوا فراسة المؤمن، فإنه يرى بنور الله} لا يصح، لكن هناك أشياء كثيرة تصدق فيها فراسة الإنسان العاقل، الخبير الورع التقي، فيصدق ما توقعه، وهناك حديث النفس أو الإلهام، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن كان في أمتي محدثون أو ملهمون فـ عمر} .

وقد يلهم الإنسان أحياناً كلمة فتصيب، وقد حدثني -أيضاً- رجل عن بعض الكبراء، أنه سيحدث له كذا وكذا، ظناً منه، لا رجماً بالغيب، لكن يقول: والله أعلم، فصدق ما ظنه هذا الإنسان.

من ذلك الفأل الحسن، ومن ذلك الدعاء المستجاب.

إذاً قضية الاهتمام بموضوع المستقبل، قضية فطرية وشرعية، والشرع أقرها.

لكن رسم لها الطريق الصحيح.

الاهتمام بالمستقبل -أيها الأحبة- يقتضي الاهتمام بالحاضر، فإن المستقبل امتداد للحاضر، والأمة التي لا تعي حاضرها ومخاطره، وما يخطط لها، ولا تدرك المؤامرات التي تحاك ضدها، فهي أمة لا يمكن أن تدرك مستقبلها، ما دامت على تلك الحالة، بل إنني أقول: إن الاهتمام بالمستقبل -كما يقتضي الاهتمام بالحاضر- يقتضي الاهتمام بالماضي أيضاً، بالتاريخ، فإن كل أمة إذا أرادت أن تستأنف مسيرتها، لا بد أن ترجع إلى ماضيها، كما قال الأول: استرشد الغرب بالماضي فأرشده ونحن كان لنا ماضٍ نسيناه التاريخ -أيها الأحبة- ليس مجرد قصص تسرد ويتلهى بها الناس، وليس مجرد أخبار للمتعة، كلا! وإنما هو توجيه وإرشاد، ولذلك قالوا: التاريخ يعيد نفسه.

أي قضية أو مشكلة أو كارثة تقع في أمة من الأمم، لو قلبت أوراق الماضي والتاريخ، لوجدت حالات مشابهة كثيرة، وسوف أذكر لكم خلال الدرس إن شاء الله شيئاً من ذلك، ولهذا يقول أحمد شوقي: مثل القوم نسوا تاريخهم كلقيط عي في الناس انتساباً أي: الإنسان الذي ليس له تاريخ، أو نسي تاريخه، مثل الإنسان الذي ليس له أب، لقيط ليس له أب، فمن خلال التاريخ، نستطيع أن نعرف كيف تنهض الأمة، وكيف تقوم من رقادها، وكيف تسترد صحتها وعافيتها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015