النقطة الثالثة والأخيرة في هذا الحديث: أن الإنسان حين يختلط بالناس لابد أن يسعى إلى كف أذاه عنهم، بل إلى إيصال الخير والمعروف إليهم ما استطاع، ويذكر في هذا المجال الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي ذر -رضي الله عنه وأرضاه- قال: {سألت النبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها، قلت: فإن لم أستطع؟ - أي لم أستطع أن أجاهد في سبيل الله، ولا أن أقوم بإعتاق هذه الرقاب الغالية النفيسة - قال: تعين صانعاً أو تصنع لأخرق، -والأخرق هو من لا يجيد ولا يحسن الصناعة ويحتاج إلى مساعدة الناس له- قلت فإن لم أفعل؟ قال: تدع الناس من شَرِّك، فإنها صدقة منك على نفسك} .
إذاً عليك أن تسعى خلال اختلاطك بالناس إلى أن توصل البر والمعروف، والإحسان إليهم ما استطعت، دون أن تنتظر منهم رد هذا الجميل، فإن لم تفعل ولم تستطع فأقل ذلك أن تكف أذاك عن الناس فإن هذا صدقة منك لا على الناس بل على نفسك.
أيها الإخوة: إن المسلم مطالب في هذا الزمان بأن يُقبل على نفسه فيصلحها، وعلى من حوله فيقوم بحقوقهم، وعلى خاصته من الأصحاب والأصدقاء والطلاب فيوجههم ويدعوهم، ويعلَّمهم مما علمه الله، ويقبل على سائر إخوانه المسلمين ممن لديهم الاستعداد لقبول الحق والامتثال والانصياع له فيوجههم، ويعلمهم، فمهما يكن بين المسلمين اليوم من المعاصي والمنكرات والانحرافات، فلا زال الخير بينهم موجوداً، ولا زال الاستعداد لكثير منهم لقبول النصح والتوجيه قاتماً، فعلينا أن لا نخادع أنفسنا بترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتوجيه والتعليم والتربية، بأن نقول: إن الناس لا يقبلون، بل علينا أن نقوم بذلك بالأسلوب الجيد والطريقة المناسبة، وسنجد أن الناس يملكون استعداداً كبيراً للتقبل، ولا أدل على ذلك من أن كثيراً منهم قد اتجهوا إلى الصراط المستقيم، وأقبلوا على الخير وعلى العلم، وعلى الطاعة وعلى العبادة بفضل الله، ثم بفضل ما يسمعون أو يقرءون من العلم والذكر والقرآن والسنة.
فعلى المسلم أن يكون أمَّاراً بالمعروف، نهاءاً عن المنكر، داعياً إلى الله، مختلطاً بالناس، صابراً على أذاهم.
أسأل الله أن يوفقني وإياكم بأن نكون من الذين اختلطوا بالناس وصبروا على أذاهم، ودعوهم إلى الله عز وجل بالحكمة والموعظة الحسنة، فوفقوا لذلك وصبروا عليه، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.