الجمع بين حديثي مدح وذم آخر الزمان

Q كيف نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه} وبين قوله: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره} والحديثان صحيحان؟

صلى الله عليه وسلم أولاً: كل قاعدة لها استثناء, فإن قوله صلى الله عليه وسلم: {لا يأتيكم زمن إلا والذي بعده شر منه} هذه قاعدة عامة لها استثناء, فمثلاً الزمن الذي يكون في آخر الدنيا زمن عيسى بن مريم والمهدي عليهما السلام, هذا لاشك أنه من أفضل الأزمنة, بل إن بعض أهل العلم دخلوا في مقارنة بينه وبين زمن بعض الصحابة رضي الله عنهم كالخلفاء الراشدين، وإن كان الأمر في ذلك مما لا ينبغي، لكن على أي حال المقصود أن الزمن الذي يكون فيه عيسى بن مريم والمهدي في آخر الزمان, هو من أفضل الأزمنة بعد قرون الصحابة رضي الله عنهم, والتابعين, وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر أن الإسلام يضرب بجدرانه؟؟ في الأرض, والحقد يرفع, والأديان كلها تنمحي أو تكاد أن تنمحي ولا يبقى إلا الإسلام, ويقبل الناس على العبادة، ويهم الرجل الغني المال لا يدري من يأخذه, ولا يجد من يقبله منه لغنى الناس، ويوفق الناس بحاكم عادل منصف يحثو المال حثياً, ولا يعده عداً, يعطي الناس المال بالكوم، لا يعده بالدرهم والدينا, إلى غير ذلك مما أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

مثل ذلك الأزمنة التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم أنها أزمنة المجددين, أخبر {أن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لهذه الأمة أمر دينها} كما رواه أبو داود بسند جيد عن أبي هريرة رضي الله عنه, فزمان المجدد -والله تعالى أعلم- أفضل من الزمن الذي قبله، إنما الغالب أن كل سنة شر من التي قبلها, كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: ليس عام أمطر من عام, لكن يرفع العلم ويظهر الجهل, وترفع السنن, وتنتشر البدع بين الناس، هذه نقطة.

النقطة الثانية:- أن المقصود بالحديث النظرة العامة للأمة، بل للدنيا كلها, أما في بلد معين فقد يكون عام خير من عام, أو يكون بعض الأوقات خير من بعض, وهذا أمر مشاهد، فمثلاً لو نظرت في الجزيرة العربية قبل ظهور دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- كانت بلداً تنتشر فيه عبادة الأوثان بشكل ظاهر, وكان الناس يعبدون أوثاناً من أشجار, أو أحجار, أو غيرها, وكانوا يحكمون عادات وسلوكاً وطرائق من أنظمة الجاهلية, وكان همهم السلب والنهب, حتى أنه لو ظهر عليهم صاحب الرسالة الأولى صلى الله عليه وسلم لما عرف من أمرهم شيئاً, فلما ظهر الشيخ بدعوته جدد لهذه الأمة أمر دينها, وتبعه الناس وأحيا ما اندرس، وظهرت معالم الشريعة, وخفيت معالم البدعة والشرك, وصارت هذه البلاد إلى خير عظيم, ولا تزال إلى يومنا هذا -والحمد لله- تعيش في وضع جيد نسبياً من آثار دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله.

كذلك يمكن أن يجاب بجواب ثالث: وهو أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم: {أمتي كالغيث لا يدرى أوله خير أم آخره} أن المقصود بآخره عيسى بن مريم والمهدي عليهما السلام وهذا ذكره بعض أهل العلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015