السؤال يقول: كيف نجمع بين الحديثين اللذين أحدهما معناه أن القابض على دينه له أجر خمسين من الصحابة, والآخر أنه لو أنفق أحدنا مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه؟
صلى الله عليه وسلم نعم، في حديث ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في آخر الزمان أن: {القابض على دينه كالقابض على الجمر} وذكر أن المتمسك بالدين يومئذٍ له أجر خمسين, قالوا: منا أو منكم؟ قال: {بل منكم} وفي حديث آخر قال: {لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه} كيف نوفق بين الحديثين؟ يكون التوفيق بين الحديثين بأمور: فيمكن أن يقال: إن قوله عليه الصلاة والسلام له أجر خمسين من الصحابة, يعني باستثناء فضل الصحبة, فإن لكل صحابيٍ من فضل صحبة النبي صلى الله عليه وسلم, والجلوس معه, والاكتحال برؤيته, وسماع حديثه, وخدمته وغير ذلك, ما لا يدركه من بعده, فيكون له أجر خمسين باستثناء فضل الصحبة.
الأمر الثاني: أن يكون له أجر خمسين في العمل, بمعنى أنك لو أنفقت ديناراً, لأخذت بهذا الدينار الذي أنفقته في آخر الزمان أجر خمسين ديناراً أنفقها المتقدمون, ولا يعني هذا أنك أفضل منهم خمسين مرة لا؛ لأنهم أكثر منك عملاً, وأكثر منك إخلاصاً, فالصحابة -مثلاً- تميزوا بكثرة الإخلاص, تميزوا بكثرة العمل, تميزوا بالتضحية, تميزوا بأمور, تميزوا بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم, أنت ليست لك هذه الأشياء لكن ما تعمله من الأعمال الصالحة لك فيه أجر عمل خمسين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم, مثل هذا العمل بالذات.
فمثلاً: صليت ركعة هي لك عن خمسين ركعة, لكن لا يعني أكثر منهم؛ لأنهم أكثر منك عملاً, وأكثر منك إخلاصاً, فتميزوا عنك بجوانب أخرى, وقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه لا يمكن أن يأتي بعد الصحابة رضي الله عنهم أحد في مثل فضلهم, لا فرد, ولا جماعة.
وذهب ابن عبد البر وبعض العلماء إلى أنه يمكن أن يأتي أفراداً قلائل يكونون في منزلة الصحابة وفي عيارهم, أو أفضل من بعضهم, مثلاً ابن عبد البر -رحمه الله- مذهبه ومذهب بعض أهل العلم يقول: يمكن أن يأتي في الجيل الثاني أو الثالث أو الرابع أو العاشر رجل أو آحاد قد يكون الواحد منهم أفضل من بعض المتقدمين, هذا مذهب ابن عبد البر خلافاً للجماهير من أهل العلم, فإنهم يرون أن الصحابة أفضل ممن بعدهم أفراداً وجماعة.