مواقف السلاطين من العلماء

العبرة الثالثة هي مواقف السلاطين من العلماء, إن المناصب الدينية على سبيل المثال كالقضاء مثلاً, والخطابة والإمامة وغيرها, كانت طيلة عهود التاريخ مناصب شرعية, ولم يكن الحاكم أو الخليفة يتجرأ أن يبعد إماماً أو خطيباً أو قاضياً أو عالماً بسبب مواقفه وجرأته في الحق, بل بالعكس من ذلك يؤيده ويسدده ويوفقه على ذلك, ولهذا ترون أن عبد الرحمن الناصر قد عاتب ولده الحكم لما طلب منه أن يبعد المنذر عن خطابة الجامع, عاتبه على ذلك وقال: أمثل المنذر لا أم لك يبعد لإرضاء ناكبة عن الحق, هذا ما لا يكون أبداً.

فكانوا يعتقدون أن العالم هو من أولي الأمر، كما قال الله عز وجل: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] ليست هذه الأشياء منه يمن بها عليه, ومنحة يعطاها فإذا لم يرض عليه سحبت منه! كلا أبداً, العالم هو قوام الأمة، وهو زينة الحياة، وهو السفير بين الحاكم وبين الناس, فإن الناس أطاعوا الحاكم بطاعتهم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم, والعالم كان هو السفير بين الحاكم وبين رعيته, يأمر الناس بالطاعة وينهاهم عن المعصية, ويأمرهم بالاعتدال, ويحثهم على التعقل وإدراك الأمور حق إدراكها, ومعرفة الطريق السليم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, وفي مقابل ذلك يحتسب على السلاطين فيأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر, ويبين لهم كلمة الحق، ويأمرهم بأن يعطوا الناس حقوقهم وأن يبتعدوا عن الظلم, والاستبداد وأخذ حقوق الناس والطغيان, وغير ذلك من المعاصي التي قد توجد في الراعي أو الرعية.

فالعالم هو القسطاس الذي وضعه الله تعالى حافظاً لهذا الميزان, فليس العالم مجرد أداة في يد عبد الرحمن الناصر أو غيره, بل كان مستقلاً له ثقله ومكانته ووزنه، ولم يكن لـ عبد الرحمن الناصر أو غيره أن يتجرأ بأن يزيل هذا العالم لسبب أو لآخر, كل ما يملك هو: والله لا أصلي بعده أبداً, هذا أقصى ما يستطيعه, أما أكثر من هذا فلا يمكن, مجرد أن يترك الصلاة وراءه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015