بداية اتصال سلطان الأندلس بالخليفة

أيها الإخوة كانت بداية اتصال سلطان الأندلس المنذر بن سعيد بالخليفة عبد الرحمن الناصر، أنه جاءه رسول من ملك الروم, فنزل عنده فجمع عبد الرحمن الناصر شرطه وأعوانه ورجاله وخدمه وحشمه, واستقبلوا هذا الرسول من ملك الروم, وكلف الأمير رجلاً أديباً مشهوراً اسمه أبو علي القالي البغدادي أن يقوم بالخطابة, فقام أبو علي هذا وصعد المنبر، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله, ثم نظر في هذا الجمع الذي لا يدرك طرفه, ولا يلحق شأوه فانقطع, ولم تملكه رجلاه، ولم يستطع أن يتكلم بكلمة واحدة, فسكت مبهوراً مبهوتاً بعض الوقت, فلما رأى المنذر بن سعيد هذا الموقف، ورأى الخطيب قد أعيى وارتج عليه, قام سريعاً وصعد المنبر دونه بدرجة، ثم ارتجل خطبة من ساعته لم يكن قد أعدها من قبل, فتكلم بها بأبين كلام وأفصح عبارة وأجمل حديث, مسترسلا مترسلاً كأنه سيل يتحدر ما وقف ولا تنحنح ولا سعل ولا تلبث ولا تريث، وهو يخرج من موضوع إلى موضوع آخر, ويتكلم بكلام جزل فصيح، وبعبارة رصينة وبسجع قوي، حتى كأنه أعد هذه الخطبة أتم إعداد, وحفظها ثم جاء ليلقيها.

حتى انتهى والناس كلهم مبهورون, فقال الخليفة لولده: أهذا المنذر بن سعيد؟ قال: بلى هذا هو يا أبي, قال: والله إن صنيعه هذا ليستحق أن يثاب عليه، فذكرني بحاله فإنه لا ينقطع عن مَحْمَد, والله إن كان قد أعد هذه الخطبة وتوقع أن يحصل مثل هذا الموقف إنه لذكي, وإن كان قد ارتجل هذه الخطبة من ساعته إن ذلك لأشد عجباً, ومن ذلك الوقت والخليفة معجب به، فولاه الصلاة في المسجد وولاه الخطبة، ولما توفي قاضي الجماعة بقرطبة جعله قاضياً بدلاً عنه فأصبح كبير القضاة بقرطبة، وأصبح خطيباً بجامعها الكبير وإمام جامعها الذي فيه الخليفة نفسه.

كانت هذه بداية اتصاله بالخليفة, وظل معه إلى أن توفي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015