ينسب الإمام المنذر بن سعيد إلى مكان يقال: له فحس البلوط, لكثرة هذه الأشجار فيه, وهو قريب من مدينة قرطبة المدينة الشهيرة في الأندلس.
هذا الإمام الكبير كان موجوداً في عهد الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر , وكان عبد الرحمن الناصر من خلفاء بني أمية المشهورين وكبار زعمائها حتى إنه حكم أكثر من خمسين سنة, وكان مشهوراً بالبنيان والعمران, وتشييد المباني والمعالم والآثار, حتى إن آثاره لا تزال باقية إلى اليوم, فارهة ظاهرة تقول لكل من رآها أو سمع بها: تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار إن مدينة الزهراء التي بناها وعمرها وشيدها وأسسها وأثثها, لهي من البناء الباقي إلى يوم الناس هذا, كان معنياً بهذا البناء ولكن ذهب الباني وبقي البناء.
ومن طريف ما يروى عن عبد الرحمن الناصر وهو قد حكم خمسين سنة وستة أشهر, يروى أنه وجد بخط يده مكتوب أن الأيام التي صفت لهذا الخليفة من دون تكدير هي يوم كذا من شهر كذا من سنة كذا, ويوم كذا من شهر كذا من سنة كذا , فحسبت فوجدت أربعة عشر يوماً, فسبحان المتفرد بالبقاء, سبحان الذي لا يموت سبحان الملك القدوس، سبحان الذي فضح هذه الدنيا, فلم يبق فيها لذي عقل ولا لذي لب أرباًَ ولا شأنا, ملك فخم كبير يحكم خمسين سنة وتدين له الرقاب حسبت أيام سعادته التي سلمت من التنغيص فلم يوجد له إلا أربعة عشر يوماً طيلة عمره, وربما لو حسبت أيام فقير من الفقراء الذين عبدوا الله تعالى وتضرعوا إليه، ورضوا وقنعوا باليسير، وأخلصوا فيما بينهم وبين الله عز وجل وعمروا قلوبهم بحبه لوجدت أيامهم ولياليهم كلها سعادة وهناءة وسروراً وأنساً, فسبحان من خلق وفرق.
من المعالم الباقية لـ عبد الرحمن الناصر مدينة الزهراء -كما أشرت إليها- وقد تغنى بها الشعراء وتكلموا عنها, وبعد وفاته وسقوط الأندلس في أيدي النصارى أصبح المسلمون يتذكرونها بعدما صارت أثراً بعد عين, يقول أحدهم: أين الرشيد وقد طاف الغمام به فحين جاوز بغداد تحداه ماضٍ تعيش على أنقاضه أمم وتستمد القوى من وحي ذكراه بالله سل خلف بحر الصين عن عرب بالأمس كانوا هنا واليوم قد تاهو وإن تراءت لك الحمراء عن كثب فسائل الصرح أين العز والجاه وانزل دمشق وسائل صخر مسجدها عمن بناه؟ لعل الصخر ينعاه هذه معالم خرس كل واحدة منهن قامت خطيباً فاغراً فاه والله يعلم ما قلبت سيرتهم يوماً وأخطأ دمع العين مجراه