السبب فيما صرنا إليه

وهاهنا سؤال سادس يطرح نفسه: ما هو السبب فيما صرنا إليه؟ ولا داعي لأن أجتهد من عند نفسي، فلنسمع ماذا قال ربنا جل وعلا، قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] وقال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] .

وقال تعالى: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران:155] وقال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأنفال:53] .

وفي الآية الأخرى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} [الرعد:11] وقال تعالى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:112] وقال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأنعام:129] .

هذه تقريباً سبع أو ثمان آيات من كتاب الله تعالى، وهي ناطقة، لا تحتاج إلى تفسيرٍ أو بيان، وخلاصة هذه الآيات أن كل ما أصاب الإنسان من مصيبةٍ دينية أو دنيوية، فهي من عند نفسه، فهذا هو خلاصة المعنى العظيم الذي دلت عليه هذه الآيات.

بقى في الموضوع أيها الإخوة كثير، وبقى في الوقت قليل، وهذه الأسئلة أمامي، ولذلك فسوف أسرد عليكم بقية الموضوع باختصار، في نحو دقائق، حتى نفرغ بعض الوقت لهذه الأسئلة.

وإذا كان هذا هو السبب الإجمالي، وهو بسبب الذنوب والمعاصي، فإننا نستطيع أن ننتقل إلى ذكر وتشخيص بعض الذنوب والمعاصي، فإن الكثيرين إذا سمعوا كلمة الذنوب والمعاصي، لم يتصوروا من الذنوب والمعاصي إلا الذنوب والمعاصي الفردية: كالزنا، أو شرب الخمر، أو السرقة، أو أكل المال الحرام، أو حلق اللحية -مثلاً- أو تطويل الثياب، أو ما أشبه ذلك من الذنوب الكبيرة أو الصغيرة، وظنوا هذه هي الذنوب والمعاصي فقط، والواقع أن الذنوب والمعاصي أعظم وأشمل وأوسع من هذا المفهوم، فمثلاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015