ظاهرة التفرق

رابعاً: ظاهرة التفرق: قضية التفرق والاختلاف التي تضرب بجرانها على المسلمين، فعلى رغم هذه الضربات الموجعة، وعلى رغم التخلف في كل المجالات، وعلى رغم أن العدو يتنادى للقضاء على المسلمين، وعلى رغم أن الوضع وصل -أحياناً- إلى مسألة التصفية الجسدية للمسلمين، والقضاء عليهم من حيث هم، على رغم ذلك كله فإن الكثير من المسلمين لا يزالون يدندنون حول الاختلاف، فإن وجدوا سبباً للاختلاف اختلفوا، وأقول صراحة وأدين الله تعالى بما قلت: وإن لم يجدوا سبباً للاختلاف فإن الكثير منهم يبحثون ويفتعلون أسباباً وهمية، لمزيد من الخلافات فيما بينهم، ويتعللون بالخلاف مع فلان وفلان وفلان، لئلا يقوموا معه بالتعاون على عمل صالح رشيد، يجتمع عليه أمر المسلمين.

الاختلافات بين الشعوب، بالأمس كانت الاختلافات مع الحكومات، أما اليوم فأصبحت الاختلافات بين الشعوب، فلا تجد مسلماً ينتمي إلى شعب إلا ويشتم الشعب الآخر، ويعتبر أنه شعب فاسد، وفيه من المصائب والمعائب كذا وكذا، فإذا وقع هذا الشعب في مصيبة، قال: نعم! هم يستحقون هذا بما كسبت أيديهم، هذا الشعب فعل كذا وفعل كذا، وهو أمر خطير.

الخلاف بين الجماعات الإسلامية، وإذا صح أن نعتبر أن الجماعات الإسلامية على ما فيها من عيوب أيضاً، لكنها تعتبر صفوة المجتمعات الإسلامية في الجملة، فإن هذا الخلاف على أشده، وتجد أن بعض هذه الجماعات الإسلامية تتنافس في كسب الشعوب لصالحها ضد الطرف الآخر، ومع الأسف الشديد أنك قد تجد بلداً إسلامياً منكوباًَ مصاباًَ، وتجد هذه الجماعات تتناحر فيما بينها، وتتهارش، وتتحارب، ولا ترضى بأن تتفق ولو على عمل إغاثي، على رغم أن العدو يسعى للقضاء عليها، بل على المسلمين جميعاً، وتحويل هذا الشعب إلى شعبٍ كافر، أو القضاء عليه وإبادته بالكلية، فلا حول ولا قوة إلا بالله!!.

الخلاف بين القبائل؛ القبائل في الصومال تتقاتل, والقبائل في أفغانستان تتقاتل، وليس بالضرورة أن الخلاف بين القبائل معناه حرب قبلية (100%) الجانب القبلي موضوع في الاعتبار، وقد يضاف إليه عناصر وأسباب وعوامل أخرى كثيرة، مبنية على سوء الظن المتبادل بين الأطراف، أو على اعتقادات، وتصورات، وخلفيات تاريخية معينة، وهذا الخلاف يجعل الأعداء في كثير من الأحيان لا يحتاجون إلى التدخل بين المسلمين، فالمسلم نفسه يقوم بمهمة القضاء على أخيه المسلم أو مقاومة جهده! فمثلاً! أنا اليوم أكتب كتاباً وأؤلفه وأنشره بين المسلمين، فبدلاً من أن يسعى العدو إلى القضاء على هذا الكتاب، أو محاربته، لا يحتاج العدو إلى شيء؛ لأن هناك مسلماً آخر سوف ينبري ويتصدى لإصدار كتاباً للرد على هذا الكتاب، وبالتالي تتحطم هذه الجهود بعضها على بعض، فلا أنا الذي استطعت أن أقضي على اجتهادات أخي المسلم الآخر، ولا هو الذي استطاع أن يقضي على اجتهاداتي، ولكننا استطعنا ونجحنا أن نقنع المسلمين بأنه أنا وأخي -ذلك الذي رد علي- كلنا لا نصلح لشيء، ونتخالف ونتهارش حول قضايا، وبالتالي تركنا الساحة لغيرنا، واشتغلنا فيما بيننا.

وأيضاً لا يحتاج العدو أحياناً إلى أن يُصّوِب بندقيته في صدري، لأن هناك مسلماً قد سبقه، وصوّب البندقية في صدري، ربما يحتاج العدو أحياناً إلى أن يُساعد المسلم الضعيف، حتى يكون هناك نوع من التكافؤ لتطول مدة الحرب فيما بيننا، وما خبر -مثلاً- الحرب العراقية الإيرانية -مع أن القياس مع الفارق طبعاً- لكن فالحرب العراقية الإيرانية، تبين بالحقائق والوثائق أن الغرب كان يغذي الطرفين، من أجل مزيد من الإنهاك لقوة البلدين، ومزيد من نزيف الدماء، وتجربه لبعض الأسلحة الجديدة في منطقة إسلامية.

إن هناك نصيحة غالية ينبغي أن نقولها في ظل الحرب الشاملة التي يواجهها المسلمون، في موضوع الخلاف: إننا بحاجة إلى قلوب واسعة، لا تحمل حقداً أو كراهيةً أو بغضاء لمسلم، ولا تتهم مسلماً يظن سوء وهي تجد له من الخير محملاً، وبحاجة إلى عقول واسعة، تُقدر اجتهادات الآخرين، وتفهم دوافعهم، وآرائهم، وحججهم في كل أمر، وتجعل ميداناً واضحاً في الأمور التي يمكن الخلاف فيها، وميداناً أيضاً واضحاً للتعاون حتى مع الذين تختلفون معهم، إنني أعتقد أنه لا مجال للخلاف بين المسلمين، إذا كنا نستطيع أن نردم الخلاف، أنا لا أقول: تُنهى الخلاف مع كل الأطراف، ولا أقول: اترك الخلاف مع المبتدعة، فهذا موضوعُُ آخر، بل أنا أخاطب أهل السنة والجماعة، وهم كثير.

فأقول: لماذا لا توحدون صفوفكم، ألستم أنتم المخاطبين بقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران:103] ألستم أنتم المعنيين بقوله عز وجل: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران:105] ألستم أنتم ممن أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم كما قال في الحديث الذي رواه مسلم: {إن الله يرضى لكم ثلاثاً -وذكر منها-: أن تعتصموا بحبل الله جمعيا ولا تفرقوا} وهل معنى الاعتصام بحبل الله والاتفاق أن يجتمع المسلمون على رأيك أنت الخاص؟ أو على اجتهاداتك أنت الشخصية، أو على قناعة هذه الجماعة، أو على آراء هذه الطائفة؟ كلا.

فمن المستحيل أن يجتمع الناس على ذلك، ولكنهم يجتمعون على الأصول العامة، المستقرة، الناصعة، الواضحة في القرآن والسنة والتي اتفق عليها المسلمون من فجر التاريخ، أما الاجتهادات الفردية فهي لا تتوقف ولا تنتهي، وإذا لم يتفق المسلمون اليوم، وعدوهم يسعى إلى قتلهم، وينهب خيراتهم، ويستعمر بلادهم، وأقول بالحرف الواضح: يستعمر بلادهم، ويسعى إلى تنصيرهم وتكفيرهم، فإن عجز سعى لتصفيتهم والقضاء عليهم، إذا لم يتفق المسلمون وهم يواجهون اليوم عدواً مدججاً أعدادهم بالمليارات، وأموالهم طائلةُُ هائلة، وقوتهم الأسلحة النووية والكيماوية، وهذا أقل ما يملكون، فإذا لم يتفق المسلمون في ظل هذه الظروف، فقولوا لي بالله عليكم متى يتفقون؟ ومتى يعقلون؟! وأقول للمسلمين الذين لا يزالون يدندنون حول الخلافات التي يمكن تجاوزها، أو حتى يمكن إثارتها، ومع إثارتها يكون هناك قدر من التعاون على البر والتقوى، أقول: أكل يومٍ لا تعقلون؟!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015