المقصود في هذه الآية، هو ذكر التسبيح في قوله {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91] ؛ لأن فيها تنزيه الله عز وجل عما يصفه به المشركون؛ ولكن الآية بدأت بإثبات دليل من أدلة الألوهية والربوبية في قوله سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ} [المؤمنون:91] ففي المقطع الأول من الآية فيه نفي أن يكون لله ولد لا من الملائكة، ولا من الأنبياء، ولا من سائر البشر! وقوله (وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) أي نفي أن يكون هناك إله مع الله والمعنى الإجمالي من الآية أنه ليس له شريك في الخلق ولا في الألوهية.
وقوله تعالى: {إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:91] .
أي: أنه لو كان هناك أحد شارك الله تعالى في خلق هذا الكون وإيجاده؛ لكان الأمر لا يخلو من حالتين: إما أن يكون هذا الشريك الذي خلق مع الله شيئاً يكون مساوياً لله تعالى وفي مقامه، فحينئذٍ كل يستبد بما خلق، ويتفرد في خلقه، ومعنى ذلك أن الكون سوف يكون مدبراً من آلهة عديدة، وهذا قطعاً خلاف ما يشهد به الواقع؛ لأن الواقع يشهد بأن الكون كله لخالق واحد، كم له من شمس؟ كم له من سماء؟ نظام الكون واحد، حتى في دراسات العلماء لنظام الكون تجد غاية العجب! فيما يسمونه: بالذرات وتكوين الذرة وما أشبه ذلك، والتي هي أصل ويقال: إنها أقل جوهر للأشياء الموجودة فالمقصود: أن نظام الكون واحد، فمعناه: أن خالق الكون ومدبره واحد، ولو كان للكون آلهة مختلفون؛ فما الذي كان سيحدث؟ كل إله منهم سيذهب بما خلق، أي سينفرد بخلقه، فيتصرف فيه تصرفاً آخر، مثلما يفعل ملوك الدنيا، مثلاً، فإن كل واحد منهم إذا انفرد في ملكه؛ تصرف فيه بغير ما يتصرف فيه الآخر، فتجد هذا له طريقة واحدة، وذاك له طريقه أخرى، والثالث له طريقة ثالثة، ولا يتفقون على طريقة واحدة أبداً؛ ولهذا قال: {وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ} [المؤمنون:91] أي: لو كان مع الله إلها آخر؛ لذهب هذا الإله الآخر بما خلق، واستقل به! وقوله تعالى: {وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [المؤمنون:91] .
أي: حاول أحدهم أن يتغلب على الآخر -إن استطاع- كما يفعل ملوك الدنيا، {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس:18] .
{إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون:91] أي: ينزه الله تعالى عما يصف به المشركون من ادعاء الولد أو الشريك أو الصاحبة، وقد نزه الله تعالى نفسه عما وصفه به المشركون في مواضع كثيرة جداً من القرآن الكريم.
قوله تعالى: {عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون:92] : لأن من ادعى أن لله تعالى ولداً؛ فقد أشرك مع الله تعالى غيره قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} [الزخرف:81] فنفى الله تعالى عن نفسه الولد والشريك، ونزه نفسه عما وصفه به المشركون والضالون.