قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) [الأعراف:33]

بين أصول المحرمات في هذه الآية {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ} [الأعراف:33] الفواحش: جمع فاحشة، وهى: من فحش الشيء إذا عظم وكثر، فالفاحشة هي: الإثم العظيم؛ وغالب ما تطلق على الفواحش الشهوانية التي فيها حدود ربانية، كالزنا واللواط ونحوهما فإنها من الفواحش، فهذا من أصول المعاصي والمحرمات.

وقوله: {مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33] ، أما الظاهر: فكما ذكرت، وأما الباطن: كالفواحش المتعلقة بالقلب، وهذا قد يخفى على كثير من الخلق، فهي موجودة.

فالحسد -مثلاً- والحقد، وبغض المؤمنين من الفواحش القلبية، والعجب والغرور والكبر، من الفواحش القلبية، وهكذا: {حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف:33] .

قوله: (والإثم) قيل: إن المقصود بها الخمر، فإن الخمر جماع الإثم، وكانت العرب تسميه: الإثم كما قال شاعرهم: سقوني الإثم ثم تكنفوني يعني سقوه الخمر ثم أحاطوا به، فالعرب كانت تسمي الخمر إثماً، وقيل: إن المقصود من الإثم: هو كل معصية لله عز وجل، فلهذا تكون أعم من الفواحش.

قوله تعالى: {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:33] فالبغي: هو الاعتداء على حقوق الناس، وهو لا يكون بحق؛ وإنما للتنفير والتقبيح منه، قال: {وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأعراف:33] أي: أن تبغي على الناس، كأن تبغي عليهم في أموالهم بغير حق فتظلمهم أو في أعراضهم؛ كأن تتكلم في أعراضهم بغير حق وتسبهم وتؤذيهم سراً أو علانية.

والبغي: من الذنوب التي يعجل الله سبحانه وتعالى عقوبتها في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: {ما من ذنب أجدر أن يعجل الله تعالى له العقوبة في الدنيا مع ما يدخره لصاحبه يوم القيامة من البغي وقطيعة الرحم} فالبغي مما حرمه الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:23] أي: بغي الناس بعضهم على بعض.

وقوله: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً} [الأعراف:33] فالله تعالى ما أنزل لأحد سلطاناً أن يشرك معه، إنما أنزل سلطاناً بالتوحيد وإفراده بالعبادة.

وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] أي: أن تتكلموا في دين الله تعالى ما لا تعلمون -ونستغفر الله تعالى ونتوب إليه من ذلك- فإن في هذه الآية وعيد شديد على من تكلم في الشرع بما لا يعلم، حتى قرنه سبحانه مع الشرك: {وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] فكثير من الجهلة والعوام تجد الفتوى على طرف لسانه: حرام حلال! وكذلك كثير من السفهاء الذين اتبعوا أهواءهم وشهواتهم، بمجرد أن تخبرهم عن منكر وقع فيه، يقول: لا شيء ولا حرج في ذلك! لم لا شيء فيه؟ هل أخبرك الله بهذا؟ هل عندك آية أو حديث أو كلام لأهل العلم؟ يقول: لا.

لكن لو كان هناك شيء، لقبل في فلان وفلان، قال تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} [الأعراف:33] كونك واقع في معصية، هذا شيء يمكن أن يغفره الله لك، لكن هناك معصية أخرى عظيمة قد لا تغفر وهي وقوعك في المعصية وأنت تستحلها، أو تتكلم على الله تعالى بغير علم؛ بالحلال والحرام والدين، فهذا من أعظم الذنوب قال تعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:36] فلا تتبع شيئاً ليس لك به علم، ولا تتكلم بغير حق، فكل أولئك سوف تكون عنه مسئولاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015