إظهار العمل

فكلما قعد الإنسان مقعداً قال: فعلت كذا، وتصدقت بكذا, وقال: أنا في الواقع لا أستطيع أن أقوم في الليل أكثر من ساعتين، أتعب إذا قمت أكثر من ساعتين، ولا أستطيع الصيام يومياً، ولكن الاثنين والخميس، يكفي ولا نزيد على ذلك.

وربما أظهر العمل ففعله أمام الناس حتى يروه ويحمدوه عليه, ولهذا كان الأصل في العبادة أن يسرها الإنسان, لأن ذلك أقرب للإخلاص وأبعد عن الرياء, حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث المتفق عليه قال: {أيها الناس، صلوا في بيوتكم, فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة} ولهذا كانت السنة في النوافل أن يصليها الإنسان في بيته سراً، لأن ذلك فيه طرد للشيطان، وفيه إبعاد للبيوت أن تكون شبه القبور لا يصلى فيها، وفيه تدريب للأهل والأولاد على الصلاة، وفيه بعد عن الرياء: {أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة} فجميع النوافل الأفضل أن يصليها الإنسان في بيته, اللهم إلا النوافل التي تشاع فيها الجماعة، كصلاة الكسوف مثلاً، أو الخسوف، أو الاستسقاء, أو العيدين عند من يقول باستحبابهما, أو صلاة التراويح, أو ما شابه ذلك.

وكذلك الصدقة، قال الله تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:271] فالأصل في الصدقة الإسرار، ولا يظهرها إلا إذا أمن على نفسه الرياء، ورأى أن في إظهارها خيراً، إما أن فيه مصلحة لحث الناس على ذلك, أو إحياء السنة, أو إرغام العدو، أو ما أشبه ذلك من المقاصد الشرعية, أما إظهار العمل لغير ذلك فهو خلاف المشروع.

صلى رجل من الأعراب إلى جوار الأصمعي، فحسن صلاته وزينها, وأطال فيها الركوع والسجود, فلما سلّم، جاء إليه الإمام الأصمعي رحمه الله وقال له: ما شاء الله تبارك الله! ما أحسن صلاتك يا هذا! قال: نعم, فكيف لو عرفت أني مع ذلك صائم.

ومثل ذلك من يتصدق أو يقدم عمل خير ليكتب اسمه في الجريدة أنه محسن كبير، أو متصدق عظيم, أو أنه تبرع بكذا أو فعل كذا, أو ليسجل في التقرير الرسمي.

والمقصود أن هذه الأشياء قد تكون خيراً إذا نوى الإنسان فيها عمل خير، كحث الناس على الصدقة, أو دعوتهم إليها، أو التنافس في المعروف, أو إرغام العدو، أو ما أشبه ذلك، وقد تكون ضد ذلك إذا قصد بها الرياء، والعبرة بعمل القلب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى} {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:13-14] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015